بينما يموت المواطنون في الشمالية بوباء حمى الوادي المتصدع وتكتظ المراكز الصحية ومخيمات العلاج المؤقت بمئات المصابين وتعاني الولاية من نقص حاد في الدربات والسوائل والكوادر الطبية، ويهدد الوباء بالانتشار الى مناطق أخرى ووجود توقعات بصدور قرار من الدول المستوردة للماشية واللحوم السودانية بحظر الاستيراد كما فعلت السعودية ومصر في العام الماضي خوفا من نقل العدوى إليها، لم يُكبد مسؤول حكومي واحد في الخرطوم نفسه عناء الاتصال الهاتفي للاستفسار عن الأوضاع دعك من زيارة الولاية لمؤازرة المواطنين وإرسال معونات طبية وانسانية على وجه السرعة لتفادى الموقف الحرج وإنقاذ ما يمكن إنقاذه!
بل إن الحكومة تتكتم على خبر تفشى الوباء، كما كان يفعل النظام البائد ظنا منهما انهما يخفيان المرض ويحميان السودان بذلك من التداعيات التي يمكن أن تحدث بالإعلان عنه، بينما العكس هو الصحيح فالإعلان عن ظهور وباء في مكان معين يُحفّز السلطات الصحية الدولية والدول الأخرى لتقديم المساعدة لحصاره والقضاء عليه بأسرع ما يمكن، بينما يحرم التكتم وعدم الاعلان عنه من حصول الدولة على المساعدة حسب القانون الدولي رغم علمهم بوجوده حيث لم يعد شيء يخفى في هذا الزمان!
فضلا عن ذلك، وصلت الأزمة المالية حالة من السوء لدرجة أن مديونية الحكومة للمصارف وصلت أكثر من 150 مليار جنيه في غضون أشهر قليلة، وتكاد المصارف تخلو الآن من أي مال وليس من المستبعد ان تعلن بعض المصارف افلاسها في وقت قريب، بينما تواصل الحكومة طباعة النقود بلا غطاء لسداد التزاماتها مما سيفاقم من انهيار الجنيه مقابل العملة الحرة بشكل غير مسبوق، حيث يتوقع بعض خبراء الاقتصاد أن يصل سعر الدولار الى حوالى 290 جنيها قبل نهاية هذا العام!
كما تفاقمت أزمة الخبز والمواد البترولية والسلع الأساسية بشكل حاد في كل انحاء البلاد، وهنالك من الولايات من لم ير جالون بنزين أو جازولين واحد منذ عدة شهور بينما نحن على أعتاب حصاد الذرة في الشهر القادم، وحلول الموسم الشتوي لزراعة القمح ومحاصيل الشتاء بعد شهرين الشيء الذى يحتم أن تكون التجهيزات في أعلى مستوياتها الآن ولكن للأسف لا توجد أي ملامح لذلك، مما يدل على ان ما نراها من قسوة ومعيشة ضنكة هي المناظر فقط ولم يبدا الفيلم بعد !
ورغم كل هذه النوازل والمصائب، فإن كل الذى يهم الحكومة هو حشد الآلاف من رسميين وسياسيين وهتيفة ومغنواتية (ولم يبق إلا القونات) للسفر الى جوبا على حساب الدولة والشعب المغلوب على أمره للاحتفال للمرة الثانية بتوقيع اتفاق احتفلت به قبل شهر فقط بمشاركة البرهان وحمدوك وجمع كبير من المسؤولين في الدولة، فما الداعي للسفر الآن مرة أخرى وتكبيد الدولة الاموال الضخمة تحت وطأة الظروف الطبيعية القاسية والضائقة المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن، ونحن في حاجة الى كل قرش لإنفاقه في المكان الصحيح، خاصة مع المشاركة الدولية والاقليمية المتواضعة، ولجوء معظم المشاركين الى مخاطبة الاحتفال عبر تقنية الفيديو بسبب ظروف وباء الكورونا !
وليت الاتفاق الذي يحتفلون به ويهدرون عليه المليارات سيحقق السلام بالفعل، ولكنه محض غش وخداع ومحاصصات لن يفضى إلا الى المزيد من الفشل والإنفاق واهدار المال العام، ويكفي كدليل على ذلك الأموال الضخمة التي أنفقت على إقامة واستضافة وفود الجبهة الثورية في فندق السلام روتانا عدة مرات، والتي يمكن ان تقدروها بأنفسكم إذا علمتم أن فاتورة إقامة مسؤول حكومي واحد مع اسرته لمدة اربعة عشر يوما في نفس الفندق بلغت ( 8250 ) دولار أمريكي، فكم تبلغ فاتورة إقامة واستضافة مئات الاشخاص عدة مرات ؟!
مؤلم ومحزن ومؤسف جدا أن تكون هذه تصرفات حكومة ثورة أحبها الناس ووضعوا فيها كل ثقتهم، فخذلتهم ولم تكن قدر الحب الذى غمروها به والثقة التي أولوها لها .. عزائي لكم والبركة فيكم !