إن ما حدث في هذا اليوم قبل عامين وما يدور منذ العام 1989 ، والمتغيرات التي طرأت في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد تؤكد أن أمير الحركة الإسلامية هو القائد العام للقوات المسلحة او بمعنى أن قيادة الجيش تستمد تحركاتها وتتلقى اوامرها من قيادة الحركة الإسلامية ، لذلك يرى الاسلاميين بأن الجيش هو الضامن الفعلي للإستمرار في حكم الدولة السودانية والاسلاميين في العالم يعتبرون أن موقع السودان الجغرافي وسيطرة الإخوان عليه يعتبر ملاذ آمن يأوي الفارين من العدالة ويحمي مصالح التيارات الإسلامية في العالم وساتر جيد لإدارة إستثماراتهم في الخفاء .
وبالطبع هناك مجموعة بجانب القوات المسلحة هي مجموعة جغرافية او إثنية تعتبر أن الجيش هو الحارس الوفي لإمتيازاتها التاريخية ومصالحهم الإجتماعية وهي بالضرورة تتفق مع من يحكم الدولة بشرط أن يحفظ لهم نصيبهم الأكبر داخل الدولة ومؤسساتها ، وهذه المجموعة تتخوف من أي إنتصار للدعم السريع قد يؤدي إلى تدمير او إيقاف أهم مؤسسة حارسة لمصالح السودان القديم وهيكله الموروث المُختل ، كما أنها تخشى اي تغيير هي لم تكن جزء منه او كُله لأن أي تغيير لا يلبي رغباتها الغاصبة وتطلعاتها المُتسطلة يعتبر تغيير غير مرغوب فيه وسوف تعمل على إعاقته والإنقلاب عليه ومحاصرته والإنقضاض عليه وهذا ما حدث للدعم السريع في هذه الثورة وكان قدرهِ أن يتلقى ضربة لعلها القاضية من القوى الإرثية وكان توقيتها هو الخامس عشر من أبريل 2023 م .
إن هذه المعركة فرضتها نخب جعلت من الإنتماء للقبيلة او المنطقة هو المعيار الأول للوصول للسلطة وسبب رئيسي للمشاركة في قسمة الثروة والسلطة ، انتج هذا إختلالات بنيوية تمظهرت في وجود قوات مُسلحة مُشوهة تذبح مواطنها على أساس إثني وترمي البراميل الحارقة على المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى التصنيف الإجتماعي ، ولأجل ذلك أشعلت حرباً انتجت أكبر كارثة إنسانية في تاريخنا الحديث .
إن الحروب التي نشبت منذ العام 1955م ليست هي الطريقة او الخيار الأوحد او المناسب لمعالجة القضايا المصيرية والتي فشلت فيها كل الأنظمة التي تعاقبت على الحُكم لمخاطبة جذورها ، وهذه الحروب جميعها تتفق في جوهرها الذي يُبين مدى المظالم التاريخية لمعظم لأقاليم البلاد بل أن المركز الذي يعتبر بيت النُخبة هو الوحيد المُستفيد والمُدبر الخفي الذي يُغذي كل هذه الصراعات ويعمل على إرساء دعائم إستدامة العنف ويرفض السلام والإيفاء بإستخقاقاتهِ حتى تتحقق دولة العدالة والحرية والسلام والمواطنة المتساوية دون أدنى تمييز .
ولكن هناك تحولات جذرية كبرى حدثت في حرب أبريل أهمها أن الجميع تجاوز النقاش حول إصلاح المؤسسة العسكرية ودمج جميع القوات في جيش وطني قومي مهني واحد ، هذه التحولات جعلت من البناء والتأسيس هو الخيار الإستراتيجي الوحيد لبناء جمهورية ثانية ووضع عقد إجتماعي جديد يتفق حوله كل السودانيين دون إقصاء لأحد .
لم ينقسم السودانيون منذ الإستقلال مثلما حدث في حرب أبريل وهو بلا شك إنقسام مُبرر للإختلالات والتشوهات الهيكلية التي تشهدها الدولة السودانية وإنعدام الوجدان السوداني المشترك الذي بغيابه شاهدنا الإصطفاف الجغرافي حول كل طرف من أطراف الحرب المتعددة بما فيهم القوات المشتركة .
هناك بارقة أمل لإستشراق عهد جديد قد حانت بعد الرؤية السياسية والخارطة التنفيذية التي طرحت في نيروبي بعد قيام تحالف تأسيس وهذه الرؤية تصلح كأساس لحوار يقود إلى مشروع سودان جديد خالي من المظالم والتشوهات ويؤدي إلى دولة عدالة إجتماعية تسع جميع السودانيين .
إن فشل الحركة الإسلامية وغطائها الجيش السوداني في القضاء على الدعم السريع في ثلاثة أيام جعل من قوات الدعم السريع معادلة صعبة صنعته صدامات غير متوقعة فالكل كان معتكف في محرابه وينتظر الفرصة للإنقضاض عليه بطريقة سريعة وخاطفة ، إن منهج العنف حرم الجيش من القاعدة الشعبية العريضة ومنح الدعم السريع مصل البقاء وتجاوز المصاعب مع إيمان قيادته بضرورة التغيير وبناء دولة السلام وتشييع الحركة الإسلامية إلى مثواها الأخير .
(رقم :1 )