مرصد بيم
منذ منتصف أغسطس وحتى نهاية أكتوبر 2024، شهد السودان العديد من الأحداث السياسية والعسكرية المهمة والمؤثرة، فيما نشط فاعلون في حملات لنشر الشائعات والمعلومات المضللة، بما يخدم أهدافهم السياسية، مستغلين التطورات السياسية والميدانية في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» منذ أبريل 2023، في حين نشطت الآلة الإعلامية للــ ” الجيش ـ كتائب الحركة الإسلامية ـ جهاز الأمن والمخابرات الوطني ـ الاخوان المسلمبن” في نشر معلومات مضللة وخطابات كراهية وفي ترويج الدعاية الحربية، مما فاقم من ضبابية الوضع المعلوماتي في السودان.
يُبيّن «مرصد بيم» في هذا التقرير أبرز أشكال التضليل التي مارستها القوى الفاعلة في التضليل خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إذ أشارت الدراسات والتقارير التي أعدها المرصد إلى ضلوع جهات داخلية وخارجية، بفعالية، في عمليات التضليل في الفضاء الرقمي السوداني. وحددت الدراسات الفاعلين الداخليين في أربع فئات، وهي: «جهات داعمة للدعم السريع، وجهات داعمة للجيش وجهاز المخابرات العامة، وجهات ذات توجه إسلامي، وجهات تناهض الحكم العسكريّ». فيما أشارت الدراسة إلى أنّ الفاعلين الأجانب في الفضاء الرقمي السوداني، هم: «روسيا والإمارات ومصر وإثيوبيا». وتعمل جميع هذه القوى على نشر معلومات زائفة ومضللة بشأن الأوضاع في السودان.
يستعرض هذا التقرير أشكال التضليل التي مورست خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ويشرح كل شكل على حدة مع ذكر أمثلة على تلك الأشكال من التحقيقات التي أجراها المرصد.
نشر وثائق مزورة:
درجَت حملات التضليل على استخدام الوثائق والمستندات في محتواها المضلل، إذ تعمد إلى تزوير الوثائق وفبركتها لتبدو حقيقية، مما يدفع كثيرًا من المتلقين إلى تصديقها. وعلى سبيل المثال، تُداولت صورة خطابٍ منسوبٍ إلى قادة «الدعم السريع»، عقب انحياز قائدها في ولاية الجزيرة «أبو عاقلة كيكل» إلى الجيش، وتضمّن الخطاب أمرًا إلى عناصر «الدعم السريع» بـ«الانسحاب الفوري من ولاية الجزيرة»، بناءً على توجيهات من قائدهم محمد حمدان دقلو «حميدتي». وفحَصَ فريق المرصد الخطاب، عبر استخدام أدوات التحقُّق الرقمي المحسنة، وتبيّن أنّ «التوقيع والختم والترويسة» أنشئت إلكترونيًّا، ومع ذلك لقي انتشارًا واسعًا نظرًا إلى تزامنه مع انسلاخ «كيكل» من «الدعم السريع» وانحيازه إلى الجيش.
لاحظ فريق المرصد أنّ كثيرًا من المعلومات المضللة نُشرت بشأن دول أو رؤساء دول، إذ رصد تصريحًا مفبركًا منسوبًا إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصف فيه السودان بـ«وطنه الثاني» ويوجّه شركات المقاولات التركية بالاستعداد للمشاركة في إعمار السودان بعد الحرب، وهو تصريح مفبرك، ولكن ساهم محتواه المتفائل بشأن مآلات الحرب في البلاد في أن يلقى رواجًا واسع لا سيما في أوساط الجماهير المؤيدة للجيش.
2. نشر معلومات مضللة تستهدف القوى السياسية:
عقب اندلاع الحرب في السودان، تباينت مواقف الناس من القوى السياسية المدنية واختلفت قناعاتهم بشأن مدى انحياز بعضها إلى طرف من أطراف النزاع، مما ساعد في إذكاء حملات التضليل وتأليب الرأي العام ضدها. ورصد فريق المرصد العديد من الشائعات والمعلومات المضللة ضد قوى مدنية في السودان لا سيما تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم». وعلى سبيل المثال، انتشر ادعاء بشأن قبض الشرطة البريطانية على رئيس التنسيقية عبدالله حمدوك، بدعوى أنه من «أكبر مؤججي الحرب في البلاد»، ووجد الادعاء تفاعلًا كبيرًا وانتشارًا واسع النطاق مع أنه مفبرك، وساهم في ذلك تداوله بالتزامن مع زيارة «حمدوك» إلى لندن، في أكتوبر الماضي، ضمن جهود «تقدم» لـ«لفت انتباه العالم لكارثة الحرب في السودان وحشد الدعم الدولي لمعالجة الكارثة الإنسانية التي عصفت بملايين السودانيين»، حسب تصريح صحفي للتنسيقية.
من الادعاءات التي وُجهت إلى تنسيقية «تقدم» أيضًا ربط شخص يُدعى «خالد محيي الدين» بالتنسيقية في سياق وصفه عناصر «الدعم السريع» بأنهم «أبطال وطليعة مؤيدة من السماء». ومع أن خالد ليس عضوًا في «تقدم»، انتشر تصريحه الخاص على منصة «يوتيوب» بشأن «الدعم السريع» انتشارًا واسعًا نظرًا إلى ربطه بتنسيقية «تقدم».
لاحظ «مرصد بيم» أيضًا نشاط حملات تضليل في نشر معلومات مضللة بشأن الوضع الصحي، ساهم في اتساع نطاق تداولها، توجس الجمهور إزاء تدهور النظام الصحي في البلاد جراء الحرب، في ظل انتشار الأوبئة والأمراض. وفي أغسطس الماضي، بدأ الحديث عن مرض «جدري القردة»، فيما نُشرت تقارير عن تفشيه في مناطق عديدة في أنحاء العالم، لا سيما القارة الإفريقية، وهو ما استغلته حملات التضليل في إعادة تداول صورة قديمة من خبر نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» بشأن ظهور «جدري القردة» في السودان في أغسطس 2022. وتبين أن الادعاء مضلل ولا صلة له بموجة المرض الجديدة في الوقت الذي أعيد تداول الخبر فيه، لكن ساهم توقيت تداوله في زيادة انتشاره وإثارة الذعر وسط المواطنين.
7. نشر معلومات مضللة تؤجج الصراع:
ترى العديد من الجهات الفاعلة في الحرب المستعرة في السودان منذ أبريل 2023، مصلحةً في استمرارها، ولذلك تنظم حملات تضليل تؤجج الصراع وتعزز احتمالات استمرار النزاع واتساع رقعته، وتسعى -في سبيل ذلك- الألة الإعلامية للجيش السوداني إلى إظهار مشاركة الأهالي والمواطنين في النزاع، بمحتوى مضلل. وفي هذا السياق، رصد فريق بيم مقطـع فيديو تظهر فيه مجموعة من الأشخاص بأزياء سودانية تقليدية، فيما يتولى أحدهم قرع الطبول أو ما يُعرف محليًا بـ«دق النحاس». وبينما ادعى متداولو المقطع أنه إعلان عن بدء الحرب من قبيلة «البطاحين»، تبين من خلال تحقيقات بيم أن المقطع قديم، نشر في يناير 2022، بيد أن توقيت نشره الذي تزامن مع انسلاخ «أبو عاقلة كيكل» من «الدعم السريع» ساهم في خلق صلة ربط بين الفيديو وقبيلة «البطاحين» وعزز من قابلية الادعاء للتصديق.