مقطع فيديو صغير يروج لخدمة توصيل الوقود في الامارات ..خدمة اسمها (كفو) ..يمكنهم الوصول الى مكانك وتزويد سيارتك بالوقود ومن ثم تحصيل رسوم بسيطة لقاء هذه الخدمة ..في الترويج يتحدث شخص يقول ان هذه الخدمة توفر له زمن يضيع في الذهاب والعودة من محطة الوقود وهو ما يقارب خمسة عشر دقيقة ..تضيع كل فترة ..وهو زمن لو تعلمون عظيم ..خمسة عشر دقيقة ..بالعربي الفصيح وبالدراجي خمستاشر ..وبالحساب 15 ..تحسر عليها الرجل ولا يعلم ان هناك من يعيشون معه في ذات الكوكب وهم يضيعون اياما كل اسبوع في انتظار التزود بالوقود ..وهذه الأيام لو تم جمعها لوجدنا ان كل مالك سيارة سوداني يقضي ما لا يقل عن الشهر سنويا في محطات الوقود (الحسبة من عندي ششنة كدا).
التفكير العميق قادني الى سؤال محدد ..هو اننا كدولة غير منتجة للنفط ..لماذا نعتمد على النقل بواسطة السيارت والحافلات ..وكل المركبات التي تعتمد على الوقود ؟ خاصة انه لا يوجد حل جذري للامر في القريب العاجل وسيكون علينا ان نعيش فترات وفرة وضيق ..ومن ثم انفراجة وبعدها ضيق وهلم جرا ..تذكرت اننا في عطبرة لم نكن نعاني من مشاكل المواصلات في ذلك الزمن الجميل ..كان الدراجة الهوائية هي وسيلة المواصلات الاولى في عطبرة ..وتعلم الدراجة يبدأ منذ الصغر ..وكل الاسر تقريبا يمتلك الذكور فيها دراجات ..مما جعل المواصلات تقريبا نسائية او للرجال كبار السن الذين تخلوا عن دراجاتهم لاولادهم..
أذكر انني كنت استعجل سائق عربة الترحيل في عطبرة السنوية لكي نستطيع المرور من شارع كسلا قبل وصول جحافل العمال عند نهاية اليوم ..لان ذلك يعني ان تتنحى الحافلة جانبا لمرور دراجات العمال التي تسد الأفق ..دراجات تسير بسرعة منتظمة ..آمنة ..صديقة للبيئة ..لا دخان ولا ازعاج ..ولا ضجيج ..كنا نتنافس لنحرز مهنة الشخص من هيئته ..الذي كنا لا نخطئه..هو سائق القطار ..ذلك ان (شنطة الحديد) مزينة سرج العجلة خلف ظهره ..يقود القطار عبر الصحراء ..ومن ثم يذهب الى بيته قائدا دراجة ..منظر الدراجات وهي تغطي الشارع عرضا وطولا ..مشهد لا يغيب عن ذاكرتي ..وافتقدته عندما اخذني الزمان الى اماكن اخرى مزدحمة بالبشر والمركبات والتلوث البيئى
لماذا لا نوطن ثقافة التنقل بالدراجة ؟ ما هي المشكلة ؟ هذا العام اعلنت وزارة التربية والتعليم الغاء المدارس النموذجية والعودة الى التوزيع الجغرافي للطلاب ..مما يعني قرب المدرسة من المنزل لأغلب التلاميذ ..مما يعني تلقائيا ان التراحيل التي تأخذ زمنا طويلا وثمنا غاليا ..ربما تكون في طريقها للاندثار ..لماذا لا نبدأ في العودة الى الدراجة ؟ اقتنوا لابنائكم العجلات ..فهي رخيصة بالمقارنة بالوسائل الاخرى ..ولو ما اخاف (الكضب) اقول ان المبلغ الذي تدفعه للترحيل ربما مكنك من شراء دراجة ملك حر بي شهادة بحث كمان ..اشتروا الدراجات للابناء ..ودعوهم يقودوها الى المدارس القريبة ..تخلصوا من الاعتماد على التراحيل ..والوقود ..والصفوف التي لا تنتهي ..
استمعت قبل كتابة هذا المقال الى اعلان لطيف لخدمة بنكية في احدى القنوات الاذاعية ….كلمات الاعلان جميلة احيي كاتبها ..اخترت ان اختم بها مقالي وهي تقول في احد مقاطعها
ارسم لنفسك باب ..ما تبقى انت السور