الحلقة الأولى
تحقيق : أشرف عبدالعزيز
تُعد الآثار التاريخية لكل بلد كنزاً وثروة لا تُقدر بثمن، بل مصدر دخل رئيس لكثير من الدول لما تمثله من قيمة عالمية واقتصادية مهمة.. والسودان يتميز بوجود عدد ضخم من الآثار التي تم تسجيلها في منظمات التراث العالمية، وأخرى ما زالت مهملة وبعضها شوه صورته الساسة وعبثوا به في محاولة منهم لمحو ذاكرة الأمة ومن هذه الصروح قصر السلطان علي دينار .
وعود على بدء السلطان علي دينار ، لم يتعرض إلى محاولات التشويه في عهد الانقاذ فحسب بل تعرض إلى مظلمة تاريخية كبرى باعتبار أن دراسة سيرته اقتصرت على رؤية أحادية للمستشرقين ورواية المستعمر البريطاني الذي لم يفرج عن الوثائق الرسمية أو مراسلات على علاقة بسياسة الرجل في تلك الفترة، إضافة إلى عدم إقدام المؤرخين السودانيين على نفض الغبار عن حقبة تاريخية مهمة عرفتها البلاد (الحكم الثنائي المصري الإنجليزي).
فاتحة
منذ وصوله إلى العرش، اهتم علي دينار بتأسيس دولة دينية قوية قائمة على تعاليم الشريعة الإسلامية ونظام العدالة الاجتماعية، فنشر الخلاوي ومراكز تحفيظ القرآن والمحاكم الشرعية ونظم إدارة الدولة ومؤسساتها.
وعمل السلطان على تنويع مرجعيات مسؤوليه وانتماءاتهم بهدف الحفاظ على تماسك دولته واستقرارها، مستفيدا من التنوع القبلي لتحقيق المصلحة العامة وذلك في جميع أركان وإدارات السلطنة، وتميزت فترة حكمه بالشمولية والتعددية وإشراك الجميع في الحكم وبحسب حفيده السلطان أحمد حسين أيوب أن ابرز مستشاريه كانوا إثنين تعود أصولهم إلى الشمال النيلي.
لم يقتصر اهتمام السلطان علي دينار على تشييد حكم راشد في دارفور وإقامة دولة عادلة تنتشر في مرحلة ثانية في باقي مناطق السودان، بل تجاوزت مشاغله لتشمل أرض الحجاز وخدمة الحرمين الشريفين، فبعد تعطيل الإنجليز القافلة السنوية التي كانت تذهب من مصر إلى مكة المكرمة حاملة كسوة الكعبة، بادر السلطان بتسيير قافلة بديلة (محمل الحج)، وكانت مساعدات أهل دارفور تسمى (صرة الحرم) وتحتوي على المساعدات المادية التي يقدمها سلاطين الفور ومنهم السلطان على دينار، وهذه المساعدات كانت تنقل إما عبر مصر أو مباشرة عبر سواكن، ويتكون محمل (صرة الحرم) السلطان علي دينار في الغالب من منتجات دارفور إضافة إلى الذهب والفضة.
محاولات التشويه الأولى
كان السلطان حريصا على انفتاح سلطنته على العالم الخارجي وتواصلها مع محيطها الإقليمي أو مع دول تجمعها روابط دينية كالخلافة العثمانية، وذلك رغم حرص حكومة السودان على الوقوف له بالمرصاد في أي خطوة يقوم بها في هذا الاتجاه، إذ رفضت محاولة السلطان نشر كتاب عن حياته بعنوان “العمران” في القاهرة سنة 1912، ولم توافق إلا على طباعة 6 نسخ فقط من الكتاب للاستخدام الشخصي خوفا من انتشار اسمه أو تأثيره على باقي القبائل، فيما عمل الإنجليز على مراقبة حركاته وسكناته ومحاولة اتصاله بالصحف المصرية وخاصة جريدة “العمران” التي كان يُديرها عبد المسيح الأنطاكي، وكان دينار يدعمها بالمال.
محاولة التشويه الثانية
في العام 2017 أمرت رئاسة الجمهورية بابتدار جهود إقليمية ودولية لمراجعة تاريخ السلطان علي دينار والاحتفاء بمآثره، متهمة المستعمر الإنجليزي بتشويه صورة آخر السلاطين الذين حكموا إقليم دارفور حتى العام 1916. ووجّه (وقتها) نائب رئيس الجمهورية، حسبو محمد عبد الرحمن، خلال مخاطبته بمدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، الذكرى المئوية للسلطان علي دينار وجه بتنظيم ندوات إقليمية ودولية لتصحيح تاريخ السلطان علي دينار، الذي شوّهه المستعمر، وذلك لما يحمله تاريخ السلطان من تضحيات عظيمة في التضحية والصمود. وذكر أن الاحتفالات بالسلطان ستعم جميع ولايات السودان للتعريف بالوجه المشرق للسلطان علي دينار.
في المقابل كانت الأيادي التي عبثت بقصر السلطان هي تلك التي وظفها والي الولاية في ذلك الوقت عثمان يوسف كبر لتشويه صورة القصر باقتطاع جزء منه والحاقه بمنزل الوالي وآخر بوزارتي الصحة والمالية فيما انشأ مبنى لجهاز الأمن في الشارع المؤدي إلى القصر وغيرها من الخروقات والتلوث البصري الذي لم يراه نائب الرئيس وقتها وهو يدعو لقيادة حملة ضد الانجليز لتشويهم صورة السلطان علي دينار في حين أن المراهقين الذين عبثوا بتأريخ الأمة هم من عناصر حزبه، و(سنفصل من خلال هذا التحقيق التشويه الذي حدث بالضبط في كل المواقع الأثرية).
الأسرة تتدخل
إمتدحت أسرة السلطان علي دينار دور جمهورية تركيا في ترميم قصر السلطان وذلك في إطار العلاقات التاريخية المتميزة بين الشعبين الشقيقين .
وطالبت أسرة السلطان مجلسا السيادة والوزراء ووالي شمال دارفور نمر محمد عبد الرحمن بالتدخل العاجل لإزالة التشوهات التي تمت في فترة النظام السابق وألحقت أضرارا كبيرة بآثار السلطان بالولاية. وطالبت بإرجاع ممتلكات السلطان للسلطنة التي تم الاعتداء عليها أسوة بما تم من إعادة لحقوق لأسرة المهدي وال الميرغني في فترات سابقة.
وشدد السلطان خلال لقاء جامع بقصر السلطان بالفاشر بإحفاد دينار من أمراء وميارم، شدد على عدم التفريط في حقوق السلطنة وممتلكات السلطنة والاسرة بإعتبارها ارثاً تاريخيا لكل السودانيين يجب المحافظة عليه وتوريثه للأجيال القادم.
وأكد السلطان أحمد حسين ايوب علي دينار عدم التفريط في أي شبر من ممتلكات السلطان والتصعيد حتى يتم كل الممتلكات التي جرى الاعتداء عليها بشكل ممنهج من قبل النظام السابق مع سبق الإصرار والترصد .
تركيا على الخط
رممت تركيا قصر السلطان علي دينار في السودان، وفاء لتعاونه مع الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى. وجاء ذلك في تغريدة نشرها السفير التركي لدى السودان عرفان نذير أوغلو على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.وقال نذير أوغلو: “يصادف اليوم الذكرى 104 لإستشهاد البطل السلطان على دينار الذي دعم الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى”.وأضاف: “إحياء لذكرى السلطان الذي يعتبر رمزا للأخوة بين الشعبين التركي والسوداني، ووفاء له قمنا بترميم قصره بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور. رحمه الله تعالى رحمة واسعة”.
وفي المقابل جرت في الخرطوم مراسم تسليم متحف وقصر السلطان علي دينار إلى هيئة الآثار والمتاحف بعد اكتمال ترميمه بواسطة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا).
وأفادت وكالة السودان للأنباء أن مراسم تسليم المتحف والقصر جرت بمقر هيئة المتاحف في الخرطوم، بحضور مديرة الهيئة غالية جار النبي، ومنسق وكالة “تيكا” بلال أوزدان، والسلطان أحمد علي دينار.
وقالت جار النبي: “نحن سعداء بتسليم مبنى قصر السلطان علي دينار، ونشكر الحكومة التركية ممثلة في مؤسسة تيكا وجهودها في ترميم وصيانة القصر منذ العام 2016”.وأشارت إلى أنه سيتم افتتاح المتحف بعد الصيانة قريبا “دون تحديد موعد”.
من جانبه، قدم السلطان أحمد علي دينار شكرة لمؤسسة “تيكا” التركية على جهودها في ترميم والمتابعة والاهتمام ، كما قدم شكره، للرئيس التركي طيب رجب أوردوغان على اهتمامه بحفظ العلاقات التاريخية بين السودان وتركيا.
ونقلت سونا عن منسق “تيكا” بالسودان بلاد اوزدان قوله إن السلطان علي دينار بالنسبة لتركيا يمثل رمز من رموز الثقافة المشتركة بين البلدين وشخصية عزيزة على قلوب الشعب التركي.
وأضاف: “وفاء وعرفانا على المودة والحب بين الأتراك والسلطان علي دينار قمنا بترميم قصره”.
لقاء وزير العدل:
علمت (الجريدة) أن السلطان أحمد حسين أيوب إلتقى وزير العدل نصر الدين عبدالباري في السياق ذاته مؤكداً على تصعيد قضية إزالة التشوهات التي لحقت بقصر السلطان علي دينار وبذلك تكون القضية وضعت على صفيح ساخن في محراب العدالة.
خروج
صمد قصر السلطان علي دينار على مر السنين أمام أهوال الحروب الكبيرة التي شهدها، ولم تطله يد العناية لأكثر من 100 عام، إذ بناه معماري تركي في أواخر القرن التاسع عشر، ترى الآن بعد ترميمه هل ستتم ازالة التشوهات ..نواصل (التحقيق) لكشفها وفي أي العهود كانت.