* أثار الخبر الذي انفردت به (اليوم التالي) قبل يومين ضجةً كبيرةً، بسبب الأرقام الصادمة التي وردت فيه، وتتعلق بالسعر الجديد للوقود بعد رفع الدعم عنه، حيث أورد الخبر أن ثمن الأول سيبلغ (495) جنيهاً، بينما سيصل سعر الثاني (445) جنيهاً، مع التأكيد على أن السعرين سيكونان عرضةً للتبدل، صعوداً وهبوطاً، عطفاً على العاملين اللذين يتحكمان في عملية التسعير.
- الخبر صحيح، ومحاولات وزارة الطاقة لنفيه لن تجدي فتيلاً، لسببين أساسيين، أولهما أن رفع الدعم عن الوقود سيبعد سلطة التسعير عن يد وزارة الطاقة، ليضعها بيد الشركات المستوردة، وثانيهما أن تحديد السعر سيتحكم فيه عاملان رئيسيان، وهما سعر النفط في البورصات العالمية، وسعر الدولار في السوق الموازية.
- سعر جالون الجازولين الحُر حالياً (450) جنيهاً، وقد وضح من النفي أن القائمين على أمر وزارة الطاقة لم يستوعبوا، أو فلنقل لم يتقبلوا بعد؛ ما استجد على ملفٍ كان في عهدتهم بكامله، وخرجت منه سلطة الوزارة في تحديد السعر.. إلى الأبد!
- تتحدث الدولة في قمة السلطة التنفيذية عن (التحرير)، لتبقى وزارة الطاقة متحجرةً في محطة (التسعير)، والمصطلح الأول يتعارض مع الثاني، ولا يلتقي معه بتاتاً، اللهم إلا في ما يتعلق بالوقود المنتج محلياً من مصفاة الجيلي، الذي سيتم بيعه بذات السعر الذي تحدده الشركات المستوردة للوقود من الخارج.
- لا خلاف على أن رفع الدعم عن الوقود يحقق مكاسب مهمة للاقتصاد الكلي للدولة، حال توظيف عوائده في دعم القطاعات الخدمية، مثل الصحة والتعليم، وتخصيص بعضها لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي والحيواني، وإسناد الفئات الفقيرة.
- فوق ذلك سيسهم بيع الوقود بسعره الحقيقي في وقف التهريب، الذي تتسرب به كميات مقدرة من الجازولين والبنزين والغاز إلى دول الجوار، بسبب انخفاض أسعاره في بلادنا، مقارنةً بثمنه في تلك الدول.
- المطالبة بتخصيص وقود مدعوم للشاحنات ومركبات النقل العام لا تستند إلى منطق معقول، لأن الكميات المدعومة ستتسرب من فورها إلى السوق الموازية، وسيتم تهريب جانب منها إلى الخارج.
- منافع التحرير عديدة، لكن الإشكالية التي ستعقب وضعه موضع التنفيذ تتمثل في انعكاساته السالبة على الفئات المسحوقة، من أصحاب الدخل المحدود، لأنه سيتسبب في مضاعفة أسعار كل السلع فور دخوله حيّز التنفيذ، تبعاً لارتفاع أسعار ترحيلها، بخلاف تأثيراته المحتملة على سعر صرف الدولار محلياً.
- سيحدث ذلك في وقتٍ تعاني فيه الفئات الضعيفة الأمرَّين كي توفر معاشها وخبزها وحليب أطفالها، بسبب موجة الغلاء العاتية التي أعقبت انهيار القوة الشرائية للجنيه، وارتفاع معدل التضخم، وطيران أسعار الدولار في الأسواق الموازية.
- لتلافي تلك الآثار السالبة لابد للحكومة من تنفيذ برامج فعالة للدعم الاجتماعي، تستهدف بها حماية الفئات الضعيفة، التي تمثل غالب الشعب حالياً، من التبعات المتوقعة لقرار رفع الدعم عن الوقود، لا بتخصيص مبالغ نقدية شهرية لها (كما كان ينتوي البدوي عبر برنامج ثمرات)، بل بتوسيع مظلة التأمين الاجتماعي والصحي، وإحياء التعاونيات، لتوفير السلع الأساسية فيها بسعر المُنتج، وتفعيل دور مباحث التموين لمحاربة الفئات الطفيلية التي تتاجر في قوت الناس.
- سيصعب على برنامج (سلعتي) أن يؤدي تلك المهمة بالكفاءة اللازمة، بسبب ضعف الميزانية المخصصة له أولاً، ولغياب التعاونيات التي اندثرت منذ سنوات طويلة، ولأن سلع البرنامج نفسها ستتأثر بالتبعات الناتجة عن الارتفاع الكبير في قيمة الوقود بعد تحريره.
- يبلغ كامل رأس مال الشركة السودانية للسلع الاستهلاكية (المنفذة لبرنامج سلعتي) 18 مليون جنيه فقط، والتعويل على الشركة وحدها لتوفير السلع الرئيسيّة للمواطنين بأسعار معقولة يمثل ضرباً من الخيال.
- لن يصمد الناس في مواجهة تبعات تحرير أسعار الوقود ما لم توفر لهم الدولة ما يعينهم على تحمل تلك التبعات، وبالعدم ستندلع ثورة الجياع، لتضع الفترة الانتقالية كلها في كف عفريت!