أمضت عاملة الإغاثة الفرنسية صوفي بترونين 1384 يوما لدى جماعة جهادية بمنطقة الساحل في الصحراء الكبرى دون أن تفقد الأمل في استعادة حريتها، وقد أثارت عودتها إلى فرنسا وهي تعتنق دين الإسلام بعض الحرج في الأوساط الرسمية بعد الجهود التي بذلت لتحريرها، بحسب ميديا بارت.
وينشر موقع ميديابارت Mediapart الفرنسي بعض التفاصيل الجديدة التي قدمتها بترونين (75 عاما) حول أسرها، مبتدئة القصة من صباح ذلك السبت، عندما فتحت عينيها وتساءلت “من الذي رسم كل هذه الرسوم على الرمال وأنا نائمة؟” قبل أن تدرك أن تلك كانت بعض الرسوم على سجاد الفندق الذي نامت فيه.
ولأول مرة وجدت الرهينة الفرنسية نفسها بعيدا عن المراتب غير المريحة المصنوعة من القش أو الفراش المصنوع من “الحصى والرمل” بعد أن قضت 3 سنوات و9 أشهر و15 يوما تعيش حياة الاحتجاز في صحراء الساحل.
أسبوع من التنقل في الصحراء
وعند استقبالها في صالة كبار الشخصيات بمطار فيلاكوبلاي، كانت بترونين هادئة، عندما توجهت إلى الرئيس إيمانويل ماكرون بالسؤال “لا أعرف هل كنت تعرف تيساليت؟” قبل أن تنطلق في سرد ظروف الإفراج عنها.
بدأ كل شيء -كما تقول الرهينة السابقة- يوم الاثنين الموافق 5 من أكتوبر/تشرين الأول في الصباح الباكر، عندما اقترب منها أحد السجانين وقال لها “صوفي. خذي أغراضك فأنت ذاهبة” في حين رد على شريكتها في الغرفة، الراهبة الكولومبية غلوريا سيسيليا أرغوتي عندما سألته “أما أنت ففي وقت لاحق”.
ولم يكن في الأمر -حسب الموقع- ما يثير بترونين، التي أصرت على شرب القهوة قبل المغادرة، لأن هذه لم تكن المرة الأولى التي دعيت فيها إلى “مغادرة كاذبة” كما تقول، حيث فاتتها 3 عمليات إطلاق سراح، كانت آخرها صيف 2019.
وقالت بترونين إن فرنسا أزعجت مختطفيها بشكل رهيب، وإنهم ظلوا يقولون لها إن الدولة لا تستجيب، وإن ابنها يكافح لإيجاد حل ولكن كل مرة يفشل. إلا أن هذه المرة، يبدو أن دولة مالي تحركت بجدية، وأطلقت سراح ما بين 180 و206 سجناء، في صفقة غير مسبوقة مع “جماعة أنصار الإسلام” وهي تحالف إرهابي تابع للقاعدة، حسب تعبير المحرر.
وبعد يوم كامل من السفر -كما يورد الموقع- التحقت بالرهينة سيارة ثانية تقل زعيم المعارضة المالية سوميلا سيسي الذي اختطف قبل 6 أشهر أثناء حملته في الانتخابات الرئاسية، وتابعا طريقهما لمدة يومين قبل أن يلتحق بهما الوسيط المالي أحمده أغ بيبي والعقيد سانوغو من المديرية العامة للأمن.
بقيت القافلة ليلتين في الكثبان بانتظار وصول الجهاديين والرهائن، ليبدأ الجزء الثاني من الترحيل، حيث انطلق موكب من 6 سيارات بسرعة عبر الصحراء، وسار طول الليل وطوال الخميس قبل الوصول إلى تيساليت، حيث انتهت نحو 4 سنوات من المحنة.
قصة السويسرية
وأثناء حديث الرهينة السابقة في المطار لم ينطق ماكرون بكلمة، وكان إلى جانبه وزير خارجيته جان إيف لودريان مصغيا إليها، وهي تقول إنها كانت تستحم وراء شجرة أكاسايا بوعاء صغير من الماء جلبه لها آسروها، ودعتهما لفعل “شيء من أجل زميلتي في السكن غلوريا، بعد أن فات الأوان بالنسبة للسويسرية”.
وهنا -يقول المحرر- اتسعت عينا ماكرون وهو يستمع إلى بترونين تقول إن الرهينة السويسرية بياتريس ستوكلي تم أخذها “خلف الكثبان الرملية” ثم كانت هناك “طلقة نارية” و”لم يتحدث أحد عن ذلك مرة أخرى وانتقلنا إلى معسكر آخر”.
فيديو مدلس
وعند اجتماع عائلة بترونين في الفندق، قالت بترونين إنها تفاجأت بأحفادها الذين “كبروا جدا” إلا أن المفاجأة الكبرى كانت متعلقة بالرهينة السابقة نفسها، حيث كان الجميع ينتظر “عجوزا تحتضر”.
وحسب قول بترونين، فإن الخاطفين كذبوا عمدا بشأن حالتها الصحية وقاموا بنشر فيديو دعائي في يونيو/حزيران 2018 بعنوان “أنقذوا صوفي العجوز 2″ أظهروها فيه طريحة الفراش وقد بهتت عيناها، مشيرة إلى أنها في ذلك اليوم كانت في أسوأ حالاتها، بعد سقوطها في الكثبان الرملية منتصف الليل.
وأوضحت الرهينة أنها كالعادة طلبت الدواء وجاءتها الممرضة موستا التي يستغرق وصولها عادة يومين أو ثلاثة، وهي تحمل معها على غير العادة كاميرا وطلبت منها مساعدتها على إخراجها من هنا” وقد وافقت على الانخراط في اللعبة.
وتستطرد بترونين “كان لدي خياران، إما القبول بوضعي كرهينة وإما النضال، وقد اخترت أن أجعل حياتي أسهل” وتقول إنها أعلنت اعتناقها الإسلام رسميا أثناء احتجازها “رغم أنني أسلمت قبل ذلك بفترة طويلة عندما تبنيت ابنتي في غاو (مدينة شمال مالي) وهي مولودة لأبوين مسلمين”.
وقبل إطلاقها ببضعة أشهر، وبعد تغيير المخيم الذي تعيش فيه “للمرة المئة” تقول إنها تشاجرت مع رأس الحراس، حيث فقدت أعصابها ورفضت التحرك بسرعة، وقالت له “إذا كنت تريد أن تلقن فرنسا درسا، خذ الكلاشينكوف وانظر إلي وقل لي آسف وأطلق النار. لقد سئمت من كل هذا” ليرد الحارس “والله يا صوفي، أنت تعلمين أننا لا نستطيع فعل ذلك”.
وقالت بترونين إنها كانت تتنقل مع مختطفيها من غاو إلى الحدود الجزائرية، مرورا بتلال أدرار إفوغاس، وإنها فكرت بالهرب وتحدثت عنه مع إيديث الرهينة الكندية التي أطلق سراحها في فبراير/شباط 2020 مع رفيقها الإيطالي لوكا تاكيتو.
ولم تقابل بترونين -حسب قولها- أي رهائن آخرين، باستثناء الأسترالي آرثر كينيث إليوت بداية اعتقالها عام 2017، وقد مشت معه مسافات طويلة في الكثبان الرملية، والتقطت معه “حجارة الأمل الصغيرة” التي كانت تريد أن تعطيها هدية لحفيدها “أميرها الصغير” لكنها اضطرت في إحدى رحلات التنقل المستعجل للتخلي عنها.