أدى اعتقال 13 شخصا بتهمة التآمر لخطف غريتشن ويتمر حاكمة ولاية ميشيغان الأميركية، ومهاجمة مبنى برلمان الولاية وأفراد الشرطة بها، إلى إلقاء الضوء على ظاهرة المليشيات، التي تنظم دورها نصوص دستورية يقدسها الأميركيون.
وأظهرت أوراق الدعوى الجنائية التي تقدم بها مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) إلى محكمة فدرالية ارتباط المتهمين بمليشيا تسمى “ولفرين ووتشمن” (Wolverine Watchmen)، كما ذكر موقع أكسيوس.
وعقب إعلان السلطات إحباط المخطط أمس الخميس، قالت حاكمة ميشيغان في مؤتمر صحفي إن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب إدانة المجموعات المؤمنة بتفوق العرق الأبيض شجع على مثل هذه الأعمال.
وكان ترامب نشر في أبريل الماضي تغريدة على تويتر عبر فيها عن تأييده للاحتجاجات المنددة بإجراءات حاكمة ميشيغان الديمقراطية بإغلاق الولاية لمواجهة جائحة كورونا، وكتب ترامب “حرروا ميشيغان”، في وقت جاب فيه أفراد المليشيات شوارع مدينة لانسنغ عاصمة الولاية حاملين أسلحتهم النارية.
المليشيا في السياق الأميركي
يثار لغط واسع حول ظاهرة المليشيات في الإطار الأميركي، إذ تطرق الدستور وتعديلاته إليها وشرعن وجودها وتسليحها.
وفي سياقها الأميركي يقصد بالمليشيا مجموعة من المواطنين المسلحين والمدربين عسكريا لكنهم ليسوا جزءا من القوات المسلحة النظامية الفدرالية.
وتاريخيا أشرفت الولايات على المليشيات بهدف استخدامها لأغراض الدفاع المحلي وفي حالات الكوارث الطبيعية. وتطور اسم المليشيات التي تشرف عليها الولايات لتسمى “الحرس الوطني” في بدايات القرن الـ20.
ولكل ولاية قوات من الحرس الوطني، وهي قوات عسكرية محلية، يعترف بها ويشجع على تأسيسها الدستور الأميركي كحق من أهم حقوق الولايات.
وينص التعديل الثاني في الدستور لتشريع حقوق الولايات في تشكيل مليشيات (أصبح اسمها الحرس الوطني) على أنه “لا يجوز المساس بمليشيا منظمة تنظيما جيدا، وهي ضرورية لأمن الولاية الحرة، وحق الشعب في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها”.
وقد عرفت المحكمة العليا تاريخيا التعديل الثاني بأنه يعطي الولايات الحق في الإبقاء على مليشيا منفصلة عن الجيش الذي تسيطر عليه الحكومة الفدرالية.
وينص الدستور أيضا على “دعوة المليشيا إلى تنفيذ قوانين الاتحاد، وقمع التمرد وصد الغزوات، من خلال توفير ما يلزم لتنظيم المليشيات وتسليحها… وإدارة جزء منها على أن يكون في خدمة الولايات المتحدة، مع منح الحق للولايات بتعيين الضباط، وسلطة تدريب المليشيا وفقا لقواعد الانضباط التي يحددها الكونغرس”.
ومن أمثلة المليشيات الأميركية:
المليشيات المنظمة التي أنشئت بموجب قانون المليشيات عام 1903 والتي تتكون من قوات مليشيا الولايات، لا سيما الحرس الوطني والحرس البحري.
مليشيا الاحتياط أو المليشيا غير المنظمة، التي أنشئت أيضا بموجب قانون المليشيات عام 1903 وتتألف حاليا من كل رجل قادر على العمل لا يقل عمره عن 17 عاما ولا يزيد على 45 عاما، ولا ينتمي إلى الحرس الوطني أو المليشيا البحرية.
العديد من المليشيات الخاصة التي تم تشكيلها من فئات صغيرة مسيسة وخارج نطاق سلطة الولايات، حيث يشكل بعض الأميركيين منظمات شبه عسكرية استنادا إلى تفسيرهم الخاص لمفهوم المليشيا، وقد أصبحت مثل هذه المليشيات محل اهتمام خلال السنوات القليلة الماضية.
معضلة ولاية ميشيغان
يعود تشكيل المليشيات في صورتها الحديثة إلى أوائل تسعينيات القرن الماضي، ولولاية ميشيغان خصوصا تاريخ طويل مع المليشيات، التي تنتشر اليوم في أغلب الولايات الأميركية.
وقالت المدعية العامة في ميشيغان دانا ناسل أمس الخميس إن أغلب المتهمين بمخطط خطف حاكمة الولاية والإطاحة بالحكومة المحلية هم أعضاء أو شركاء في مليشيا “ولفرين وتشمن”، إحدى المليشيات المحلية بالولاية.
ويتهم أعضاء المليشيات بشراء الأسلحة خارج نطاق القانون، والقيام بعمليات مراقبة غير شرعية، والتآمر.
ولا تعد خطط خطف حاكمة الولاية والإطاحة بالحكومة المحلية الأولى من نوعها في ميشيغان، إذ سبق لمليشيا تسمى “هوتاري” التخطيط لتنظيم تمرد مسلح يبدأ بقتل رجال شرطة الولاية بالأسلحة النارية والقنابل، وقد ألقت السلطات القبض على أعضائها عام 2009.
وقد أشارت تقارير إلى أن المليشيا حاولت توحيد عدة مليشيات منفصلة في الولاية تحت اسم قيادتها ورايتها. وأُسست المليشيا على يد شخص يدعى نورمان أولسون لمقاومة ما يراه تعديا حكوميا على الحقوق الدستورية للأميركيين.
وخدم أولسون لسنوات في سلاح الجو الأميركي، قبل أن يستقيل للتفرغ لتشكيل المليشيات التي تؤمن بأن هناك مؤامرة على الحق الدستوري في حمل السلاح.
وقد شهدت ميشيغان تأسيسا شبه رسمي للمليشيات في أوائل التسعينيات، وصار لها وجود قوي منذ ذلك الحين، وكانت دائما من النوع الذي تتطلع إليه مليشيات الولايات الأخرى.
ويجمع المليشيات، في معظم الأحيان، إيديولوجيات موحدة، ويعزى ازدهارها في ولاية ميشيغان إلى ارتفاع نسبة سكان الريف، إلى جانب رسوخ المعتقدات المؤيدة للحريات الفردية في مواجهة التدخل الحكومي في حياة المواطنين.
وتقدس المليشيات الحقوق التي منحها التعديل الثاني في الدستور والمرتبطة بحق حمل السلاح وتشكيل مليشيات، وتميل إلى دعم التفسير الصارم والحرفي للدستور، كما تميل إلى السرية في نشاطها وتتجنب الظهور كجماعة تشكل تهديدا كبيرا.
وانتشرت ظاهرة المليشيات الحديثة في ولاية ميشيغان وخارجها عقب مواجهات مسلحة بين الحكومة الفدرالية ومليشيات عدة، أشهرها حالة مليشيات روبي ريدج في ولاية أيداهو عام 1992، وفي العام نفسه حالة طائفة دافيديان بمدينة واكو بولاية تكساس.
وتشير تقارير إخبارية إلى أن تيموثي ماكفاي، مفجر المبنى الفدرالي في ولاية أوكلاهوما عام 1995 تلقى بعض التدريب مع مليشيات بولاية ميشيغان.
ودفع الصعود السريع لوسائل التواصل الاجتماعي إلى حدوث تقارب كبير بين الكثير من المليشيات، خاصة تلك المؤمنة بتفوق العرق الأبيض، وأدى خوفهم بشأن مسار الانتخابات الرئاسية وإجراءاتها إلى زيادة ميلهم للعنف.
دور الرئيس ترامب
يرى الكثير من المعلقين أن الرئيس دونالد ترامب قد أجج المخاوف بشأن شرعية الانتخابات أو قوة الجماعات اليسارية الراديكالية مثل “أنتيفا” (ANTIFA)، وحركات دعم حقوق السود.
وجاء الصعود السريع لتنظيم “كانون” (QAnon) وهي جماعة يمينية متطرفة تؤمن بنظريات عن مؤامرة منظمة تستهدف الإطاحة بالرئيس ترامب، ليلفت نظر السلطات الفدرالية لخطورة هذه الجماعات.
ورفض ترامب خلال المناظرة الرئاسية الأولى مع منافسه الديمقراطي جو بايدن إدانة جماعات عنصرية تؤمن بتفوق العرق الأبيض.
وغردت المؤرخة كريستين دي ميز، الأكاديمية بجامعة كافين بولاية ميشيغان -وهي إحدى أهم الجامعات المسيحية بالولايات المتحدة- لتلقي باللوم على ترامب في نشر ثقافة الكراهية، وقالت “اللافت بالنسبة لي حول مؤامرة اختطاف حاكمة ولاية ميشيغان هو كيف أنها ليست مفاجأة خاصة عندما بث ترامب معلومات مضللة تؤجج الكراهية. أطفالي البيض المسيحيون المقيمون في ولاية ميشيغان يسمعون دائما زملاء لهم في الصف المدرسي يكررون وصف حاكمة الولاية بأنها فاشية وغبية. هذا هو الواقع الذي نعيش فيه”.
وبسبب طريقة تعاملها مع انتشار فيروس كورونا بالولاية، جرت الإشادة بحاكمة ميشيغان غريتشن ويتمر، لكنها لقيت أيضا الكثير من الانتقاد الشديد لإغلاقها الولاية لشهور، وهو ما اعتبره البعض تقييدا للحقوق الدستورية والحريات الشخصية.
وقالت المحكمة العليا في ميشيغان الأسبوع الماضي إن قانون 1945 الذي استخدم كأساس للعديد من أوامر حاكمة الولاية لإغلاق المرافق العامة يعد غير دستوري.