البوصلة|Al_Bousala| احمد حسن حجر _ محور عمليات غرب كردفان ـ بابنوسة
من “المخارف” إلى “المصايف” ، ظلت رحلات “الرُحل” وهم أصحاب الماشية في غرب كردفان رحلات صمود في وجه النسيان والتحديات ، حيث طغت مرارات العيش على جمال الطبيعة ، وتحولت الثروات النفطية إلى مصدر تلوث وأمراض ، حيث تختزل البادية في غرب كردفان قصة وطن بكامله ، أرض تفيض بالثروات بينما يعاني هامشها من الجفاف والنسيان هناك ، حيث يختلط غبار الطرق بعطش الأرض وقلق الرعاة ، تُكتب واحدة من أقسى حكايات التهميش. لكن الأمل يعود اليوم من حيث لا ينتظر ، ليرسم ملامح فصل جديد، يحوّل هذه المعاناة إلى قصة استقرار ، وينقل البادية من دائرة النسيان إلى دائرة الأمن .
رحلة البقاء بين المخارف والمصايف
في قلب السافانا الفسيحة بغرب كردفان ، حيث تتناثر موارد البلاد بين ثنايا الأرض ، تُكتب حكاية أخرى ، حكاية صبر ومعاناة صامتة لقبائل الرحل ، الذين تظل رحلتهم الموسمية بين “المخارف” و”المصايف” بحثاً عن الكلأ والماء ، رهينة بتحديات أمنية ومعيشية متصاعدة ، في وطن يزخر بالثروات لكن هامشه يعاني من التهميش .
معاناة البادية .. حيث تختلط مياه الأمطار بمرارات العيش
وسط هذا المشهد الطبيعي الخلاب ، تكمن معاناة إنسانية عميقة ، يمكن تلخيصها في عدة محاور:
🟣 شبح انعدام الأمن حيث يجد الرعاة أنفسهم محاصرين بين تصاعد التوترات الأمنية وتدهور الخدمات الأساسية ، في ظل غياب دولة الحماية والخدمات من أطراف البلاد ، أصبح الخوف والقلق رفيقين دائمين في مسار تحركاتهم ، مما يهدد سلامتهم وسبل عيشهم.
🟣 أزمة المياه عطش في أرض الخيرات وتتمثل المعاناة الأبرز في ندرة المياه النقية حيث يعتمد الرحل على مياه “الرهود” والمستنقعات الراكدة ، بينما تقف الدوانكي الحكومية معطلة على امتداد مساراتهم .
هذا الواقع لا يهدد حياتهم وحياة قطعانهم بالأمراض فحسب ، بل يزيد من أعباء رحلتهم اليومية. رغم انهم في أرض ثروة النفط في وسط ولاية غرب كردفان التي تُعد من أغنى ولايات السودان بالنفط ، إلا أن مجتمعات البادية لم تجنِ من هذه الثروة سوى التلوث والأضرار البيئية. حيث أدت تسربات البترول ومخلفاته إلى تلوث المياه وتراجع المرعى ، مما انعكس سلباً على صحة الإنسان والحيوان ، وساهم في تزايد أمراض خطيرة كالفشل الكلوي والأمراض الجلدية، في رحلة موسمية محفوفة بالمخاطر بحثاً عن الكلأ ، في ظل انعدام الأمن، وتلوث النفط ، وندرة المياه النقية.
🟣 صوت منسي في الهامش | رعاة البادية ليسوا مجرد مشاهد تراثية ، بل هم مكون أساسي في نسيج الوطن وثقافته واقتصاده. ومع ذلك ، ما زالوا يعانون من النسيان الرسمي والإعلامي ، ويُعدون الأكثر تضرراً من اختلالات الأمن وحلقة التهميش التنموي.
🟣 قيادة عمليات غرب كردفان – بابنوسة : رؤية متكاملة تجمع بين البعد الأمني والإنساني
قيادة عمليات غرب كردفان ـ بابنوسة تكسر حاجز الصمت وتفتح الطرق الآمنة لأهالي البادية في مشهد يعكس وعياً عميقاً بتشابك القضايا الأمنية والاجتماعية ، خرجت القيادة باستراتيجية شاملة ، لتحويل هذه المعاناة إلى قصة أمل وإستقرار ، بوضع الأمن كمدخل للاستقرار وفتح الطرق الآمنة حيق كسرت القيادة حاجز الصمت التقليدي ، واتخذت خطوات عملية جريئة بسماحها لأهالي البادية بالنزول حول محور العمليات ، ولم يقتصر الأمر على الإذن ، بل تم توفير الحماية اللازمة لعبورهم الآمن نحو المصايف ، والسماح لهم باستخدام المسارات المتعارف عليها بين مكونات اهل البادية لحركة الثروة الحيوانية والاستفادة من مستنقعات الخريف التي تحيط بمحور العمليات. في خطوة وصفت بأنها “فريدة في نوعها” لارتباطها المباشر بأمن المواطن واستقراره.
🟣 من الحماية إلى الشراكة : بناء جسور الثقة
لم يقتصر دور القيادة في عمليات غربكردفان على البعد الأمني فقط ، بل تجاوزه إلى مفهوم الشراكة المجتمعية. من خلال لجنة السلم والمصالحات ، التي من خلالها تبذل القيادة جهوداً حثيثة لحل النزاعات واحتواء التوترات بين المكونات الاجتماعية المختلفة والاستجابة الفورية للبلاغات والتعامل المباشر مع شكاوى المواطنين أصبح نهجاً ثابتاً ، يعيد بناء جسور الثقة بين مجتمع البادية والقيادة في صناعة السلم الاجتماعي ومنع الصراع قبل اندلاعه في بُعد استباقي نادر ، امتد حرص القيادة ليتجاوز ساحات المعارك إلى ساحات العقول والقلوب. من خلال الالتزام بدفع تسوية الديات واحتواء النزاعات العالقة ، بهدف منع انزلاق المنطقة في صراعات قبلية جديدة ، تكون كفيلة بتقويض أي استقرار أمني.
🟣 نموذج قيادي : العقيد صالح الفوتي.. محور الاستقرار من بابنوسة إلى كردفان
لم تكن هذه الرؤية الاستراتيجية حبراً على ورق ، بل تجسدت على الأرض من خلال أداء قيادي ميداني متوهج ، تمثل في شخصية العقيد صالح الفوتي الذي لم يكتفِ كقائد لمحور عمليات غرب كردفان ـ بابنوسة باحتواء المواقف الأمنية المعقدة حول محوره فقط ، بل امتد تأثيره وجهوده ليشمل أجزاء كبيرة من محليات الولاية. من خلال التنسيق والمتابعة الدقيقة لكل صغيرة وكبيرة ، من شأنها “تعزز” الأمن المجتمعي ، كان الفوتي نموذج يجسد الانتماء والوفاء حيث يلتزم العقيد الفوتي شخصياً بمتابعة أي ملف من شأنه أن يعيد الأمن والاستقرار لتلك المناطق. ولم يتوقف عطاؤه عند حدود العمليات الميدانية في الأرياف ، بل كان له القدح المعلي في تعزيز الأمن الداخلي في رئاسة ولاية غرب كردفان نفسها ، مما يجعله ركيزةً من ركائز الاستقرار على مستويين: عمق الريف ومركز الحكم في الولاية.
🟣 نحو مستقبل أكثر أمناً وكرامة
تعكس هذه الرؤية المتكاملة ، المتمثلة في استراتيجية القيادة وأداء قادة ميدانيين مثل العقيد صالح الفوتي ، إدراكاً عميقًا بأن النصر الحقيقي لا يُقاس بانتصارات الميدان فقط ، بل يُقاس بقدرة هذه المؤسسات وقادتها على كسب ثقة المجتمعات التي تخدمها. إن صناعة الأمن الحقيقي تبدأ من القلوب قبل الحدود.
حياة البادية في غرب كردفان تستحق أن تُروى بصدق ، ويستحق أهلها كل دعم لضمان كرامة عيشهم واستقرارهم فالحلول ليست مستحيلة ، لكنها تبدأ ، بالاعتراف بالمعاناة ، والانحياز إلى الإنسان ، قبل الأرض والثروة.
