فاطمة لقاوة
في تراثنا الشعبي تُروى حكاية شهيرة عن امرأة نزلت ضيفة على بعض أقاربها، وحين دُعيت للعشاء رفضت الأكل، رغم إلحاح المضيفين الذين قالوا لها: “عليك النبي صلّي الله عليه وسلم، كُلي”، لكنها أصرّت على الرفض،ومع اشتداد البرد والجوع في منتصف الليل، قامت تُفتّش عن الطعام محدثة ضجيجًا أيقظ أهل الدار، ولما سألوها باستغراب عن سبب هذا التصرف، أجابت ببرود: “أنا جيت أعزّ النبي”.
هذه القصة الساخرة تعود اليوم إلى الواجهة، لا كمجرد طُرفة، بل كمجاز سياسي يُلخّص مسيرة جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، ووزير المالية السابق في حكومة ما بعد الثورة.
جبريل الذي دخل اتفاقية جوبا عبر بوابة التسوية السياسية، لا النضال المبدئي، خرج من صفوف الثوار سريعًا، وتحوّل إلى حليف موضوعي للفلول والإسلاميين، وساهم، بقراراته وتكتيكاته، في تجفيف شعارات الثورة وتحريف بوصلتها.
جبريل الذي لم يتردد في التحالف مع ذات المنظومة التي اغتالت شقيقه خليل، تدرج سريعًا من مقاتل في الهامش إلى بيروقراطي في المركز، ثم إلى واحد من أركان السلطة التي تساقطت قناعًا بعد قناع.
في بداية الحرب،ومع اشتعال الصراع، لم يتردد جبريل في الانحياز إلى محور بورتسودان، حيث يقيم فلول النظام البائد ومنظروا المشروع الإسلاموي، الذي ظلّ خصمًا مباشرًا لحركته ولأهل دارفور لعقود طويلة.
ظنّ جبريل أن الحرب ستمنحه مكاسب جديدة، وأنه قادر على القفز إلى الضفة الرابحة، متجاهلًا أن التحالفات القائمة على الانتهازية ،قصيرة العمر،وها هو اليوم يكتشف أن الأبواب تُغلق في وجهه تباعًا.
الإسلامويون الذين احتمى بهم لا يرونه ندًّا سياسيًا، والثوار الذين خانهم لا يثقون بعودته، وجماهير دارفور تنظر إليه كمشارك صامت – إن لم يكن شريكًا فعليًا – في مأساتها المتواصلة.
وبين هذا وذاك، يبقى السؤال: ماذا سيفعل جبريل؟
هل لديه شجاعة المراجعة؟ هل يملك جرأة الانسحاب من المشهد؟ أم أنه سيواصل السير في طريقٍ لم يعد يوصله إلى شيء؟
لقد جاء جبريل “ليُعزّ النبي” بعد أن انفضّ المجلس، وأُطفئت المصابيح، وانكشف كل شيء.
ومهما حاول التبرير أو الالتفاف، فإن الذاكرة السودانية لا تنسى، والتاريخ لا يُنقّح لصالح المتأخرين.
ولنا عودة بإذن الله
الأحد،٨يونيو/٢٠٢٥م