في مشهد يُعيد للأذهان نوادر التاريخ، خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتصريح قال فيه: “نرفض تشكيل حكومات موازية للحكومة الشرعية في السودان”… تصريحٌ يدعو إلى التأمل، لا لأن فيه من الحكمة شيئًا، بل لأنه يشبه إلى حد بعيد أن يعظُ قاطع الطريق المارّة حول أهمية احترام إشارات المرور.
فالرجل الذي اعتلى سُدّة الحكم في مصر على ظهر دبابة، بعد انقلاب عسكري أطاح بأول رئيس منتخب في تاريخ البلاد، يتحدث اليوم عن “الشرعية”! وكأن قارون خرج يُحذّر الناس من مغبة التبذير.
ولا يسعنا هنا إلا أن نستحضر قصة الحجاج بن يوسف الثقفي، ذلك الوالي الدموي الذي كان يقطع الرؤوس صباحًا، ويخطب في الناس ظهرًا عن أهمية الرحمة والتسامح. فكما كان الحجاج يجلد الناس باسم الدين، يجلد السيسي الشعوب باسم “الشرعية”.
أما السودان، ذلك الجار المكلوم، فقد كان ضحية لوصفة “السيسيّة” الكاملة: دعم للانقلاب، مباركة لقمع الثورة، حماية للعسكر، وترويج لشرعية مصطنعة تُدار من داخل الثكنات… ثم يأتي اليوم ليحاضر السودانيين في مفهوم الشرعية!
يا سيسي، لو كانت الشرعية تُقاس بالصناديق لما جلست على عرش مصر، ولو كانت تُقاس بالإجماع لما دعمت جنرالات الخرطوم الذين سفكوا الدماء وخربوا الدولة.
السيسي اليوم يبدو كمن يقف في منتصف حريقٍ أشعله بنفسه، ثم يصيح قائلاً: “نرفض إشعال أعواد الثقاب”.
والسؤال الحقيقي: ما الذي يخيف السيسي من حكومة سودانية موازية؟
ربما لأنه يدرك أنها قد تكون المرة الأولى التي تقوم فيها سلطة سودانية دون وصاية مصرية، دون سماح من المخابرات، ودون كفالة من القاهرة.
باختصار، السيسي لا يخشى “تعدد الحكومات”، بل يخشى أن تكون واحدة منها حقيقية.
#لاللحرب قولاً واحدا.