يُعد مسجد الضعين العتيق واحداً من أهم المواقع والمعالم التاريخية في الولاية ، وبلا شك هو مقدس وله تأثير كبير في الشأن الديني والإجتماعي والثقافي ،إذ يعتبر واحد من معالم العمران والحضارة بذلك يعكس تراثاً ثقافياً ودينياً أثرى بها الحياة الإنسانية ، ويحمل في جدرانه ومِحرابه الكثير من الأحداث والتجارب التي شكلت تاريخ الضعين وإنسانها لما يلعبه المسجد من دور طليعي وتاريخي يستحق الحديث عنه .
لا شك أنه بسبب الظلم والفساد القائم في السودان عموماً فقط حدث الهلاك الشاخص في معظم مناطق البلاد فخوت القرى والمُدن على عروشها ، وعُطلت بئر المناشط والمساجد ، واختفت الحقيقة وشخوصها ، وبقيت صورة الحياة ورمز الحضارة ، وهي القصر المشيد في مسجد الضعين الذي لم يكتمل حتى الآن ، فكما هناك الكثير من المرافق العامة التي ينبغي الحديث عنها وعن ما دار وحل بها .
مسجد الضعين العتيق ليس غريباً ولا مستحيلاً أن يتم تمويله من الفريق أول محمد حمدان دقلو الذي أدرك عظمة المبنى والمعنى لهذا الصرح العظيم ولكن يبقى السؤال الأكبر أين ذهبت هذه الملايين ؟ ولماذا الحديث عنها ظل ممنوع ؟وأين حكومة الولاية من ذلك ؟ وكيف استمرت هذه الممارسة لسنوات ؟واين الشركة المنفذة او المقاولين ؟ أسئلة كثيرة نطرحنا وما يقودنا نحو ذلك هو الضمير الإنساني الحر ، ما نكتب في هذه السطور ليس إلحاق أذى او ضرر بآخر ولكن فتح باب من الأبواب المغلقة .
فمسجد الضعين الذي تم تشييده الان يخفي طبقات متراكمة خلف آثاره الباقية ، وجُدرانه الغائبة بدأب يُدعي التطوير ، بينما هو في الواقع مدمر ويشوه في جوهره لغياب المصلين فيه لعدم إكتمال مبناه مع تسليم مبالغ إعماره وتشييده منذ أمد بعيد قُبيل هذه الحرب ، فأصبح المسجد الأثر الذي ما زال شاهداً لكنه يخفي حكايات عميقة عن البشر لا الحجر ، البشر الذي لم يعد له وجود إلا تلك الإجابات الجاهزة التي لا تعني شيء سوى أننا لا نعلم شيء ولا ندري ما المعضلة .
يمكن لزائر الضعين أن يرى المدينة عبر عشرات الزوايا لكنه للأسف لا يرى المسجد العتيق ، إذ كل الزوايا والمشاهد قادرة على أن تريك بُعداً جديداً ومدهشاً لها ، إلا وقت الصلاة وأنت تتجول في سوقها الجميل تلتفت يُمنى ويُسرى لن تجد إلا مسجدها شامخاً ولكنه بئر معطلة وقصر مشيد ، فالمدينة يمكن أن تراها عبر المساجد والمدارس والجامعات و علمائها وعظمائها ولكن هنا ترى عبث الحُكام وألاعيب السياسة وصمت الجميع ولكنك ستكون واهماً إذا اعتقدت أن المشكلة الأساسية تكمن في عجز التمويل ولكنها في غياب الشفافية والمصداقية والإنتماء للمنطقة والولاء لقضاياها وإهتماماتها .
يقف مسجد الضعين العتيق شاهداً على الظلم والفساد ، وأنك ستخسر كثيراً لو ظننت أن المساجد مجرد أماكن للعبادة يبنيها عباد الله الصالحون إبتغاء الأجر والمثوبة فحسب ، لأن المساجد كلها ستغدو في عينيك نمطاً واحداً متكرراً إلى الأبد ، ولكنها قد تصبح باب للثراء والقرقجة للذين أحياناً فوق القانون والمحاسبة فهذه الآفة المدمرة والثقافة الخطرة إذا لم نحاربها سندفع جميعاً ثمن الفساد مهما صغر حجمه او كبر .
التاريخ :-الأربعاء2025/5/14 م