شاعر صاحب مفردة أنيقة، تتراقص العصافير على أنغام تعابيره الجزلة لتشكل لوحة قوس قزح من الروعة والجمال.. مدني النخلي أثرى الساحة الغنائية والشعرية بالعديد من الأعمال التي لامست وجدان الشعب السوداني. (السياسي) جلست إليه في استراحة على أريكة كلماته الرائعة في حديث عن تجربته وعلاقته بالراحل مصطفى سيد أحمد، فلم يكن اللقاء هذه المرة كما في (لمتين مواعيدك سراب والريد شقا وحرقة وجفا)، بل كان مهرجاناً من الوضوح والشفافية نعايشه في هذه المساحة.
-لماذا يدعو مدني النخلي في قصائده إلى ثقافة الحزن؟.
أنا لم أدع لثقافة الحزن، بل كتبت عن الحزن، وهو عاطفة هدّامة.. من الصعب عليك أن تدعو شخصاً ما ليقاسمك حزنك أو يتقمّص إحساسك.. الكتابه عن الحزن هي حالة تعبير عن مكنون الذات.. ورغم البكائية التي تعتري كتاباتي إلا أن هنالك علامات بارزة عن الفرح على شاكلة (فرحانة بيك كل النجوم، كمّلت بيك الأغنيات، ولوحتى بإيدك) والأخيرة لخالد الصحافة.. هنالك أيضا (واقف براك والهم عصف) وهي دعوة للاحتفاء بالآخر.
-ما سرّ تلوّن الأغنية السودانية بالبكائية؟
البكائية تعبير عن الواقع المعاش.. الوطن لم يستطع تحقيق حالة استقرار لشخص يحلم بالحبيبة والزواج.. الواقع الآن أشدّ حزناً.. تقريباً نحن كسودانيين مَن بدأنا الحزن ويأتي بعدنا (الهنود).
-حدّثنا عن علاقتك بالراحل مصطفى سيد أحمد؟.
سيرة مصطفى استطاعت أن تفرض نفسها، وظلت عصية على التقزم والانحسار.. العلاقة مع مصطفى تفرض عليك حالة من الالتزام.. الراحل لم يتبنَّ مشروعاً فانتازياً بقدر ما كان يؤسس لتعرية الواقع، حيث رفد معين الراهن الفني بالأغنية الدرامية التي حكت عن أحلام الشعب وهمومه.. سر ثبات مشروع مصطفى هو ملامسة واقع البسطاء، بمعنى أنهم (سمعوا كلام الببكيهم).. مصطفى لم يبدأ المعارضة، فقد سبقه عليها وردي، وعدد من الفنانين الذي عرّوا زيْف الواقع.
-ما الذي ميّز مصطفى؟.
مصطفى سيد أحمد أثبت أن الفنان لسان حال أمته، وعلى مستوى علاقاته الخاصة كان حريصاً على مساعدة الناس.. عانى من الفشل الكلوي.. ورغم المتاعب الصحية كان يرهق نفسه بملاحقة أخبار الناس وحل مشاكلهم.. هذا هو الفنان الحق.. رفع صوته في زمان كان أحوج فيه للصمت.
-الشعر بقى أكل عيش؟
بكل أسف بعض (كتاب الاغنية) ولا أقول الشعراء امتهنوا الشعر كمهنة وأفرغوه من كينونته الحقيقية كمتنفس للتعبير عما يعتري الذات من مشاعر نبيلة لاحترام الحبيبة والوطن.. ليس كل ما يقال شعراً.. وعبركم أدعو المسؤولين لسنّ معايير لإجازة النصوص، لتمييز الصالح من الطالح.
-فكرة القصيدة عند مدني النخلي؟.
في بعض الحالات أشعر أن ثمة أحساس يداهمني ويحرّضني على إفراغ شحنة داخلية.. أمسك بالورقة والقلم و(نقعد أنا والقصيدة) نتحاور أنا وهي.. حول ما إذا كانت تستحق الخروج للناس لتشكل إضافة للمنتوج الإبداعي، وتكون علامة فارقة تترك بصمة كما فعل محيي الدين فارس والقدال وهاشم صديق وغيرهم من العباقرة.
-مدني كتب في كم حبيبة؟.
أعترف بأنني تعرضت لـ (شواكيش عاتية) وعبّرت عن آلامي شعراً، لطالما أن هنالك روحاً ونفساً (طالع ونازل) لن نتوقف عن الحب.. الحب بكل أنواعه؛ للطبيعة والجمال.. وكثيراً ما أتجاوز همّي الشخصي لأعبّر عن الهم العام مثل هم انشطار الوطن.
-من أين يأتي النخلي بالمفردات العذبة والجزلة في نصوصه؟
كما أسلفت أنا مغرم بالطبيعة والغمام والخضرة.. أحتفي بالأجواء الخريفية مثلما يتحلق الهنود الحمر حول النار.. الجمال يرفد مواعين مفرداتي بقوس قزح من التعابير, (ما بان عليك سفر العمر) كُتبت في إنسانة لم يستطع الزمن محو ملامحها الجميلة.
-قصيدة كتبها شاعر ما، تمنيت لو كتبتها أنت؟
أي عمل جميل يلامس وجداني لا أتمناه لي، بل أعتبر ان من كتبه يستحقه.. مثلا أغنية وجيدة لمصطفى سيد أحمد (كأنك من ورا صفحة زجاج مبلول) تستوقفني، كذلك أشعار عثمان بشري والقدال وأزهري وهاشم صديق.





