عدد من المواقع الإليكترونية والصحف تداولت أمس حديثا لوزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني يعرب فيه عن استيائه من الهجوم عليه و مطالبته بتقديم استقالته.
إذا نظر السيد الوزير لما أسماه بالهجوم بشكل موضوعي، سيجد كل منتقديه بما فيهم (الفلول) هم على حق بالنظر لما وصلت إليه الأوضاع في ملف الدقيق والخبز.
ما من شك أن ثورة ديسمبر التي أطاحت بأعتى نظام دكتاتوري كان من ضمن أهم أسبابها الوضع المزري الذي وصل إليه الشعب أمام صفوف الخبز لساعات طويلة. لذلك لا يتوقع مدني عباس مدني بأنه يستطيع السير في النهج نفسه دون أن يواجه سيلا من الهجوم والنقد.
جمعني برنامج حواري قبل أسبوعين بقناة النيل الأزرق مع السيد وزير الصناعة لمناقشة عدد من قضايا الوزارة فيما يختص بمعاش الناس.
قلت له: إنكم لا تملكون إرادة سياسية لإصلاح معاش الناس فيما يختص بالخبز. وذكرت له تعطيل تنفيذ ميزانية 2020 بسبب الخلاف الجوهري مع اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير فيما يختص برفع الدعم، وانكم رضختم للضغوط العنيفة واطحتم بميزانية العام.
ليس من الحكمة المطالبة برفع الدعم السلعي في هذه الظروف العصيبة التي يعاني منها كل الشعب السوداني. لكن المطلوب وباسرع ما يمكن اعادة هيكلة الدعم، خاصة بالنسبة للخبز.
إعادة هيكلة الدعم مقصود منها إيصال دعم الحكومة للفقراء والشرائح الضعيفة، وليس لكل فئات الشعب..الغني ..والفقير على حد سواء.
لا توجد دولة في العالم تدعم الأغنياء على حساب الفقراء بغير بلدنا السودان.. هل يعقل أن نشتري ساندوتش بمبلغ 150 إلى 200 جنيه؟، وأهم عنصر فيه رغيفة من الخبز المدعوم.؟
السيد الوزير في إجابته على استفساراتي تلك قال إنهم بصدد حل الموضوع مقبل الأيام القادمة وفقا لما يقومون به من إجراءات.
لكن من الواضح أنها إجابات للقفز من المواجهة.. مواجهة الرأي العام..
او ليس من حق المواطن الهجوم على أو نقد الوزير، إذا علم أن مبلغ 400 مليون دولار أهدرت خلال هذا العام فقط، بإصرار وزارته بعدم توجيه الخبز المدعوم لمستحقيه الحقيقيين؟
هل يعلم الشعب السوداني أن كل القمح المخصص للدقيق المدعوم وهو 2 مليون طن في السنة يقدم مجانا من وزارة المالية؟ ولا ادرى كيف توافق وزارة المالية على سوء استخدام دعمها للمواطنين؟.
لماذا تصر وزارة الصناعة على دعم الخبز للمقتدرين، والأجانب، والمطاعم والكافتريات، والمناسبات، واستخدام الدقيق المدعوم لصناعة المعجنات والحلويات في المخابز الآلية؟
الآن الحصول على الباسطة والكيك اسهل بكثير من الحصول على رغيفة الخبز؟
وزارة الصناعة فشلت تماما في إدارة ملف الدقيق والخبز. وللعلم هذا الملف انتزعه الوزير (بوضع اليد) من وزارة المالية صاحبة الاختصاص في توفير الأموال للدعم وفي كيفية توفير القمح والدقيق، صناعة الخبز ليست توفير افران ومخابز فهي عملية معقدة وبها الكثير من التفاصيل.
أكبر أخطاء الوزير أنه اعتبر المشكلة في عدم وجود مخابز كافية، فلجأ إلى مصر شاكيا فاهدته مخبزا ينتج 2 مليون ونصف المليون رغيفة في اليوم. لكنه لم يحدثنا عن كيفية حصول المخبز المصري على الدقيق؟. لأن المشكلة اصلا في شح الدقيق وصعوبة استيراد القمح بسبب ارتفاع سعر الدولار وصعوبة الحصول عليه من السوق الأسود أو الأبيض.
ولاية الخرطوم وحدها بها 4 آلاف مخبز، لكن معظمها مغلق بسبب شح الدقيق.. المطاحن طاقتها الإنتاجية ثلاثة أضعاف الإنتاج الحالي، لكنها عاجزة لصعوبة الاستيراد جراء سياسات الدولة.. المشكلة ليست في عدد وطاقة المخابز أو المطاحن حتى نحتفل بوصول مخبز هدية من دولة شقيقة.
في الايام الماضية وجه وزير الصناعة مدني عباس مدني دعوة لوزيرة المالية للاجتماع مع المطاحن بوزارة الصناعة. يبدو ان الوزير يحاول ان يحمل المسؤولية لوزارة المالية طالما ان المشكلة في عدم توفر العملات الصعبة.
فهل هذا يعني انسحابا تكتيكيا من ملف الدقيق وتحويل المشكلة لوزارة المالية بعد فشل وزارة الصناعة في اتخاذ السياسات المطلوبة؟