:: لم تعد في المقابر وبيوت العزاء وحدها، فالمنصات الإعلامية التي يعتليها من نلقبهم بالمسؤولين أيضاً أصبحت من أماكن المراثي والنعي الأليم.. وعلى سبيل المثال، خلال هذا الأسبوع، نعى وزير الثروة الحيوانية المحاجر وغيرها من مرافق وزارته، ثم أمر بإيقاف صادر الماشية للسعودية بعد أن اتهمها بالابتزاز.. وبعد وزير الثروة الحيوانية مباشرة، نعى وزير الصحة المُكلف المشافي وغيرها، ثم أقر بانهيار النظام الصحي..!!
:: وبعدهما مباشرة، نعت وزيرة المالية المكلفة اقتصاد البلد بالنص القائل: (الدولة ماشة بقدرة قادر).. وقبلهما أدمع وزير التجارة والصناعة المقل بحديثه عن هياكل وزارته وعن السلطات المنزوعة وعن الصادر والوارد، ثم نعى حال التجارة والصناعة.. ولا ننسى وزير التربية والتعليم، وكذلك مدير المناهج، إذ هما أيضاً ما أن يعتليا منصة إعلامية إلا وينثرا أعظم درر الرثاء في المدارس والمناهج، ثم يختما المؤتمر الصحفي بنعي كل مراحل التعليم..!!
:: كل هذه المراثي صادرة عمن نلقبهم بالمسؤولين، خلال هذا الأسبوع.. والذاكرة لا تسع آخرين، ولكن الشاهد كل ذي لسان وشفتين ما أن يعتلي منصة إعلامية إلا ويسهب في البكاء والرثاء.. والشّعب في حِيرةٍ من أمره، وصار حاله كَمَا حَال مالك بن دينار.. يُحكى أنّ الإمام مالك بن دينار خطَب في الناس وصَلّى بهم – ذات جُمعة – حتى أبكاهم جميعاً.. ثم بحث عن مصحفه ولم يجده، فصاح فيهم: (ويحكم، كلكم يبكي فمَن سرق المُصحف؟)..!!
:: وفي بلادنا أيضاً، (كلهم يبكي)، فمن يبني الوطن؟.. نعم، غير وزيرة المالية، مَن المسؤول عن خلق الموارد وإدارتها بمهنية، بحيث لا تعجز الحكومة عن سداد مرتبات وحقوق العاملين؟.. فلمن تبكي وزيرة المالية و(تشكي)؟.. وغير وزير الثروة الحيوانية، من المسؤول عن إصلاح المحاجر وتطعيم المواشي والالتزام بمعايير الدولة المستوردة لمواشينا؟، فلمن يبكي وزير الثروة و(يشكي)..؟؟
:: وبما أن وزير الصحة هو المسؤول عن إصلاح النظام الصحي، بحيث لا يموت الشعب لعدم توفر الدواء والطبيب والأجهزة الطبية، فلمن يبكي ويرثي؟.. وهكذا.. كلهم مسؤولون عما يبكوه ويرثوه، وكلهم مسؤولون عما أصاب المواطن، ومع ذلك بدلاً من تلقي الشكاوى (يشكون)، وهذا لا يليق بالمسؤولين في حكومة (الثورة).. أين روح الثورة؟، وأين روح المبادرة ؟، وأين الخطط لتجاوز الضيق؟، وأين التفكير خارج الصندوق..؟؟
:: دائماً هناك حلول، أو هذا ما يؤمن به القيادي الملهم .. والقيادي الملهم يختلف عن عامة الناس بالقدرة على إيجاد الحلول للأزمات بحكمة وذكاء، وليس بالتباكي على منصات الإعلام، كما يفعل وزراء حكومة حمدوك.. والشعوب كما هي بحاجة إلى روح الأمل في أوقات المحن، فهي أيضاً بحاجة إلى قيادة مُلهمة تتجاوز بها الأزمات بدون عويل.. وللقيادة المُلهمة سحر وثبات في القول والفعل حتى في أزمنة الحروب، إذ هي لا تبكي و(تشكي)..!!
:: من أين جاءت قوى الحرية بهؤلاء البكائين الذين لايتقنون غير فن المراثي ؟.. فالقيادي المُلهم لا يبكي ويرثي كما يفعل هؤلاء، بل هو المشبع بالطموح والعاشق للتحدّي الذي يُغيّر حياة الناس إلى (الأفضل والأمثل)، ولذلك يبقى في ذاكرة الحياة نبراساً يضيء مسارات الناس، وإن مات يراه الشعب حياً في طموح أفراده.. وأسمى أهداف القيادي المُلهم في السلطة ليس هو أن يحكم الناس، وعندما يعجز عن ذلك (يقعد يبكي)، ولكن أسمى الأهداف هو تحرير عقول الناس من قيود الجهل والخوف و(الاحباط)..!!