تتواصل الاشتباكات على حدود شمال غرب إيران بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها. وبسبب الحدود المشتركة مع الدولتين، وكذلك وجود جاليتين أذرية وأرمنية في إيران، يعتبر الدور الإيراني والقرارات التي تصدر عن طهران بهذا الشأن في غاية الحساسية.
وعلى الرغم من اتخاذ إيران الحياد تجاه التوترات الأخيرة، وكذلك موقف وزارة الخارجية الحازم والداعي لضبط النفس وحل النزاع سلميا، فإن ذلك لم يعجب بعض الجماعات ومنظمات المجتمع المدني وأعضاء البرلمان الإيراني.
حيث طالب ممثلو المرشد الأعلى في المقاطعات الإيرانية الناطقة باللغة الأذرية في شمال غرب البلاد -في بيان مشترك يوم الأربعاء الماضي- بلادهم بـ”الاعتراف بحق أذربيجان في استعادة منطقة قره باغ بناء على قرار مجلس الأمن الدولي، ووقف الاشتباكات، ووجوب إعادة قره باغ إلى موطنها الأصلي أذربيجان”.
وأعرب 42 نائبا (من أصل 290) بالبرلمان الإيراني في المقاطعات الشمالية الغربية، عن دعمهم للأذريين. فقد أعلنوا في بيان صدر عنهم يوم أمس السبت، أنه “وفقا للوثائق التاريخية، فإن منطقة قره باغ جزء من العالم الإسلامي، وباعتراف من مجلس الأمن الدولي بسيادة جمهورية أذربيجان عليها”، مطالبين الحكومة وخاصة وزارة الخارجية بالعمل على تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
وفي هذا الصدد، يعتقد الإعلامي والمحلل السياسي علي أصغر شفيعيان أن هذه المواقف لها صدى داخلي فقط، موضحا أن موقف إيران محايد، والموقف الرسمي لوزارة الخارجية لم يكن مزدوجا.
وتابع شفيعيان -في حديثه للجزيرة نت- “اتخذت إيران مواقف عديدة في مختلف القضايا، وهناك توقعات بأن تتخذ الحكومة موقفا واضحا بشأن هذه القضية أيضا، ولأنهما بلدان مجاوران، فلا يمكننا اتخاذ موقف داعم لدولة دون الأخرى، لأنه سيخلق توترا ويقلل من مكانتنا كوسيط”.
ويرى البعض أن سبب تأييد شخصيات وجماعات إيرانية لأذربيجان يعود لموقف المرشد الأعلى في هذه القضية إبان التسعينيات، عندما أعلن علي خامنئي أن “الحكومة الأرمنية تقمع المسلمين في منطقة قره باغ، ونحن ندين هذه الأعمال، وقره باغ هي أرض للإسلام”.
ويرى الباحث والمحلل السياسي الدكتور صلاح الدين خديو أن العلاقة الأذرية الإيرانية مرت بمراحل مختلفة، “فمع انهيار الاتحاد السوفياتي وفترة أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، رأينا أن نظرة الجمهورية الإسلامية لأذربيجان كانت مثالية، وكان يعتقد الجميع أنها الدولة الشيعية الثانية البارزة على الخريطة السياسية في العالم، لكن في الواقع ظهر شيء آخر”.
وتابع خديو في حديثه للجزيرة نت، قائلا “لقد واجهت إيران مجتمعا علمانيا للغاية مع ثقافة غير دينية في أذربيجان، حتى أنها لم تبد استعدادا لتلقي الرسائل الأيديولوجية والإصلاحية من الجمهورية الإسلامية”.
وأوضح المتحدث أن إيران تتمتع بعلاقات جيدة مع البلدين، لكن جيوسياسيا وجغرافيا أصبحت أرمينيا هي الأقرب لإيران، لأن حدودها مغلقة مع الجانبين التركي والأذري، بينما حدودها مع إيران بقيت حيوية.
وأضاف من جهة ثانية أن “إيران غير راضية عن وجود علاقات بين أذربيجان وإسرائيل، لذلك هي تشعر بالتهديد، وأعتقد أن أحد أسباب استدعاء أرمينيا لسفيرها في إسرائيل جاء لطمأنة إيران”.
بدوره، يرى الخبير في شؤون غرب آسيا بيرمحمد ملازهي أن إسرائيل تحاول -في هذا الجو المتوتر بين أذربيجان وأرمينيا- أن تضع إيران تحت حصار جيرانها، في ظل تقربها من أذربيجان، في وقت تتهم فيه جماعات أذرية طهران بمساعدة أرمينيا، وهو ما تنفيه السلطات الإيرانية، بحسب ملازهي.
ورغم وجود مواقف متباينة بين الساسة والمجتمعات المدنية في إيران، ووسط التقلبات السياسية بين إيران ودولتي أرمينيا وأذربيجان في العقود الماضية، فإن الموقف الإيراني الرسمي كان موحدا من أجل المصلحة الوطنية، إذ قدّمت طهران نفسها وسيطا، لا طرفا داعما لدولة ما على حساب الأخرى في هذا الصراع.