فعلاً اتلمّ المتعوس على خايب الرجاء. وعندما نقول خايب الرجاء نقصد صراحة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، الذي خاب رجاؤنا فيه عندما سمعنا بسيرته الذاتية المهولة كخبير اقتصادي جاءت به أعظم ثورة سودانية ليعالج فساد وخراب الكيزان خلال ثلاثة عقود من عمرنا حتى حُفي رأسنا واشتعل الشعر فيه شيباً، لا لذنب جنيناه سوى أننا حلمنا بحقنا في عيش كريم وخدمات جليلة كأبسط حقوق تُقدّم لنا.
ظللنا نكتب ونتناول بجرأة، مكامن خلل النظام السابق في عز قوته، ولم تلن عزيمتنا يوماً من الأيام ونحن نتحدّث عن الفساد والظلم والمحسوبية، لكنا للأسف لم نجد أذناً صاغية، بل مُورست علينا ضغوط شتى، وقُدِّمت لنا مُغريات يسيل لها اللعاب، لكنا لم نفعل قناعة ورضاء بما قسمه الله لنا، لذلك عملنا منذ وقت طويل على دعم ثورة ديسمبر التي انطلقت في ديسمبر من العام (2018) في حاضرة ولاية النيل الأزرق الدمازين، وتلتها مدينة الحديد والنار عطبرة في ولاية نهر النيل، وفرحنا كثيراً حد البكاء عندما عمّت الثورة كل الريف والحضر إلى أن سقط نظام البشير.
صبّيناها في القيادة العامة أيام الاعتصام العظيم، الذي كان عبارة عن مدرسة أظهرت ريادة الشعب السوداني المعلم، الذي تفنن في إصدار الشعارات التكافلية (عندك خُت.. ما عندك شيل.. وارفع ايديك بالذوق التفتيش بالذوق)، ورأينا كيف كان السودانيةن يؤثرون على أنفسهم حين رفع آذان المغرب في شهر رمضان المعظم، وتجد أحدهم يسقيك جرعة ماء، وآخر يبسط يده ممدودة بتمرات لتحلل صيامك قبل أن يبدأ هو.
كل ذلك، جعلنا نرسم واقعاً وردياً، ونرفع سقف التفاؤل بأن القادم أحلى، وظننا أن هذا الشعب المختلف في كل شيء سيعوِّضه الله تعبه بحكومة في قامة ثورته وهبته العظيمة، لكن وآه من لكن هذه، فقد تسلّق بعض الانتهازيين أصحاب الأجندات، تسلّقوا المشهد وسيطروا عليه وهم أقل قامةً من هذا الشعب الذي دفع دمه ثمناً لثورته، فجاءت قِوى الحرية والتغيير ودخلت في حوار مع العسكر، ولأنهم بالفعل متاعيس، كان مولودهم مسخاً مُشوّهاً أتى لنا بأشباح وأقزام أقل قامةً من طموحنا، وصوّرهم لنا ككفاءات ستحقق لنا أحلامنا، وصبرنا شهراً تلو آخر حتى تم تشكيل أول حكومة في سودان ما بعد ثورة ديسمبر، ورشّحوا لنا الدكتور عبد الله حمدوك، وقدّموه لنا كمُنقذٍ، لكن انكشف المستور بعد تسميته لحكومته التي دفع بها المتعوس، الذي نطلقه هنا على قِوى الحرية والتغيير، فولدت ثورتنا طفلاً منقولياً ليس في مقدوره معرفة مُتطلبات هذا الشعب المكلوم!!
عندما أطلقنا على، حمدوك خايب الرجاء، لأن رجاءنا فيه قد خاب وهو لم يخذلنا، حيث أصبح حالنا الآن يُغني عن السؤال من انهيار في القطاعات الصحية والاقتصادية والتعليمية وغيرها من القطاعات الأخرى، التي تقف شاخصةً الآن أمامنا، إذ يعاني الجميع في الحصول على أبسط حقوقه التي كفلها له القانون.
ومع ذلك يجتمع المجلس المركزي لقِقوى الحرية والتغيير برئيس مجلس الوزراء ويجدد ثقته فيه، لإكمال الفترة الانتقالية وكأنهم يعيشون في كوكب آخر غير الذي نعيش فيه.. فهل قسونا عليهم عندما نعتاهم بالتعيس الذي جدّد ثقته في خايب الرجاء..؟!
? التحق بقناة اعمدة الراى بالتلغرام
? صفحة اعمدة الرأي العام علي الفيسبوك