* عشية سقوط النظام السابق كان المشهد مؤلمًا جدا للإسلاميين مما بدا أنه إصطفاف السودانيين في مجموعتين ، مجموعة كبيرة صٌورت علي أنها كل السودان بتنظيماته الإجتماعية والسياسية ، ومجموعة أخري صغيرة وهي ( الكيزان ) كانت في نظر الكثيرين مدحورة ، بائدة ، وتمثل الشيطان في الأرض …
* وانطلقت أضخم حملة شيطنة في الداخل والخارج ، أعقبتها إجراءات إنتقامية ضد المنتسبين لهذا التيار ، شملت القتل ، الإعتقال دون مسوغات قانونية ومصادرة الممتلكات من لجنة سياسية إفتقدت لأقل مقومات العدل والإنصاف …
* واليوم وبعد عام ونصف من تلك الحملة والإجراءات الظالمة التي واجهها التيار الإسلامي بكثير من الحكمة وضبط النفس والصبر الذي حير الكثيرين ماهي النتيجة ؟؟.
( ١ )
* تمزقت الحاضنة السياسية لحكومة قحت تحت وقع الإختلافات المميتة وتبادلت الإتهامات فيما بينها ، واستبان لكل ذي بصيرة أن الأحزاب ليس لديها ما تقدمه للشعب السوداني ، فهي لم تنس شيئا ولَم تتعلم شيئا ، وبنزق تعاملها مع الفترة الإنتقالية أضاعت فرصة تاريخية أتيحت لها بالعبور الحقيقي للسودان نحو إستكمال مشروعه الوطني بالبناء علي ما كان جيدا وموجودا ( وما أكثره ) واستكمال نواقصه ، ولكنها إختارت الهدم ( وهو ما تجيده ) وأعجزها البناء ( وهو ما لا تعرفه ) ، والنتيجة المنطقية هو تحول حالة الثورة إلي مشروع سلطة أعرج يقف مترنحا بلا حاضنة سياسية واعية مسنودة بقوة الجماهير …
( ٢ )
* إنفض سامر التنظيمات الإجتماعية والناشطين المدنيين والإعلاميين ( واللوايفة ) سريعا من القحاتة إما نأيا بأنفسهم من الفشل البائن والقاتل لحكومة قحت ، أو بسبب تعامل أحزاب قحت مع هؤلاء المساهمين ( في الثورة ) والمشاركين فيها حين لاح ما بدا لهذه الأحزاب أن المسألة غنائم ولذلك يجب أن تستأثر بها خالصة لها من دون الآخرين ، فسقط أكبر شعار لقحت وهو تكوين حكومة تكنوقراط غير حزبية ، وسقط معها خلق كثير من مناصري قحت من كورال ما كان يسائل عقله أبدا …
( ٣ )
* حين بلغت التعبئة مداها لإسقاط النظام السابق تم تصوير أحزاب قحت وقياداتها وتجمع المهنيين علي أنهم بشر في شكل ملائكة من ناحية سموهم الأخلاقي وترفعهم عن صغائر الأمور ، كما تم تصويرهم بأنهم يملكون مفاتيح الحلول للأزمات السودانية لأنهم ( شفوت ومفتحين ) ، وكان مجرد توجيه النقد لأي من منسوبي قحت أو لعجل السامري ( تجمع المهنيين ) كفيل برمي صاحبه بالكوزنة وإتهامه بشق الصف الوطني ، وانظر اليوم يا رعاك الله إلي حال القوم في ميزان الإستقامة الأخلاقية وكم هو وزنهم في نظر الرأي العام ..
* لقد فقدوا الشارع مبكرا وهو يري إنصرافهم للقضايا الصغيرة وتركهم دون حياء لشعارات الثورة الكبري في الحرية والعدالة والسلام ، واستبان لكل الناس أن الثورة لم تكن إلا وسيلة للوصول للسلطة ، وأن أي شعار ضد حكم العسكر كان كذبا بواحا ، وأي مناداة بالديمقراطية والحريّة كان محض ( إستهبال ) ، وأن شعار المساواة عندهم يعني تمييز أعضاء قحت بالمناصب والإمتيازات ، وترك بقية الهتيفة ممن كانوا وقودا للثورة في قاع النسيان أو حتي في السجون كما فعلوا بدسيس مان وشوتايم ….
( ٤ )
* صورت قحت للناس بأنها تملك مفاتيح مانغلق للسودان في مجال العلاقات الدولية ، وكان الظن أنه وبمجرد سقوط النظام السابق أن تهبط المساعدات الدولية علي السودان ويكتظ مطار الخرطوم بالوافدين من الأجانب أصدقاء ( قحت ) ممن قدموا لهم الخدمات الجليلة طوال سنوات الإنقاذ بالتآمر معهم ضد السودان وشعبه ، ثم وبعد مرور الأيام علي تكوين حكومة قحت تبين للناس أن ذلك الإدعاء مجرد وهم استخدم أيام المظاهرات ( كعدة شغل ) وأن الحقيقة الساطعة هي أن من قدموا الخدمات ضد بلادهم لم يكونوا أكثر من ناشطين وظفتهم جهات ما لأغراضها ثم مدت لهم لسان السخرية هازئا حين ظنوا أنهم قد أصبحوا مسؤولين وأرادوا الجلوس مع سادتهم القدامي علي طاولة الكتف بالكتف ، والنتيجة هي تراكم الأثقال علي السودان وإستمرار معاناة شعبه بفعل نتائج ما اقترفته بعض قيادات قحت بحق وطنها وهذا الشعب النبيل ..
وليس أخرا
* إن هذه اللوحة السوداء والنتيجة البائسة لحكومة قحت ليست محلا للشماتة أو الفرح ، ذلك أنها زادت معاناة شعبنا وحرمته من الغذاء والدواء وجعلته يعيش حالة الخوف الحقيقي علي مستقبل بلده وهو يري بؤس الأداء الحكومي وتفكك عري هيبة الدولة وتراجع سيادة حكم القانون ، ثم يرسل البصر كرتين نحو المستقبل فلا تقع عينه إلا علي المجهول المخيف والمستقبل المظلم في ظل غياب أي مشروع وطني متفق عليه …
* ولأن فشل قحت ليس مدعاة للشماتة والفرح فإن التيار الوطني الإسلامي واع بضرورة نقل الحالة السياسية في البلاد من مربع التشفي والإنتقام وهدر معاني العدالة إلي مربع الإتفاق علي المشروع الوطني البناء الذي يؤسس للعبور الحقيقي للسودان نحو مرافئ الإستقرار والرفاه الإقتصادي ، ذلك هو الهدف وإشتراطات تحققه جزء كبير منها بيد الحاكمين …