بفستانها الموشح باللون الوردي وبربطة عنقه الأنيقة وقف فؤاد وسوار أمام عدسات الكاميرا لالتقاط صورة تذكارية تخليدا ليوم خطبتهما، صورة سرعان ما تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام لشابين تونسيين مصابين بمتلازمة داون اختارا الأمل والحياة على اليأس والانسحاب إلى الصفوف الخلفية.
وتواترت ردود الأفعال بين أغلبية مستحسنة وأخرى متسائلة عن مآل ومستقبل هذه الخطوبة التي اعتبرت خارجة عن مألوف المجتمع نظرا للأحكام المسبقة التي تسلط دون دراية على مرضى متلازمة داون و”تعتبرهم فاقدين لملكة التمييز، خاصة القدرة على اختيار الشريك وتكوين أسرة”.
ووفقا لموقع الأمم المتحدة، فإن متلازمة داون هي ترتيب طبيعي للكروموسومات يمثل حالة وجدت على الدوام لدى الإنسان، وهي موجودة في جميع مناطق العالم، ولها في الأغلب تأثيرات متباينة في أساليب التعلم أو السمات البدنية أو الصحة.
ويعتبر الحصول على الرعاية الصحية والاستفادة من برامج التدخل المبكر والتعليم الشامل للجميع على نحو ملائم وإجراء البحوث المناسبة أمورا أساسية لنماء الفرد وتنميته.
ويقدر عدد المصابين بمتلازمة داون بين واحد من ألف إلى واحد من 1100 من الولادات الحية في جميع أنحاء العالم.
ويوجد لدى الإنسان 46 كروموسوما في 23 زوجا، ويتم ترقيمها على هذا الأساس، أما ما يميز متلازمة داون فهو وجود 47 كروموسوما، وهذا الكروموسوم الزائد هو الكروموسوم رقم 21، لهذا تدعى هذه المتلازمة أيضا “تثلث الكروموسوم 21”.
وتقول منظمة الأمم المتحدة إنه يمكن تحسين نوعية حياة المصابين الذين يعانون من متلازمة داون من خلال تلبية احتياجاتهم بتوفير الرعاية الصحية التي تشمل إجراء الفحوص الطبية المنتظمة لمراقبة النمو العقلي والبدني، وتوفير التدخل في الوقت المناسب، سواء كان ذلك في مجال العلاج الطبيعي أو تقديم المشورة أو التعليم الخاص.
كما يمكن للمصابين بمتلازمة داون تحقيق نوعية حياة مثلى من خلال الرعاية الأبوية والدعم والتوجيه الطبي ونظم الدعم القائمة في المجتمع، مثل توفير المدارس الخاصة.
وتساعد جميع هذه الترتيبات على مشاركة المصابين بمتلازمة داون في المجتمع، لتمكينهم ولتحقيق ذواتهم.
الثقة بالنفس
ويعتبر محمد طاهر (49 سنة) والد الشاب فؤاد أن إعلان خطوبة ابنه هو نتيجة لعمل كبير ارتكز منذ البداية على دفعه نحو الاندماج اجتماعيا بطريقة مدروسة تقوم على ممارسة نشاطات وتحميله مسؤوليات تتماشى مع من هم في سنه، لرفع منسوب ثقته بنفسه وقدرته على مجاراة نسق حياة عادي.
ويضيف أن فؤاد وسوار يتمتعان برعاية أسرية كبيرة ولّدت لديهما ثقة عالية بالنفس ومقدرة على التعبير عن الرأي والاختيار، مما جعل التواصل بينهما مفيدا لكليهما، إضافة إلى “أن الشعور بالسعادة لوجود من نحب إلى جانبنا كفيل بصنع المعجزات”.
ويجيد فؤاد الحلاقة واستعمال الحاسوب واستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ويقوم بالمشاركة والتفاعل مع المنشورات التي يتداولها أفراد العائلة والأصدقاء المقربون منه، خاصة الدردشة وتبادل الحديث مع خطيبته سوار، حسب قول الأب.
من التقارب إلى الخطبة
لا يخفي فؤاد فرحته التي ارتسمت على وجهه وظهرت واضحة على نظراته البريئة في شيء من الخجل الجميل، ويقول للجزيرة نت دون أي اختيار للكلمات إنه يحمد الله كثيرا، لأن عائلته أسعدته بخطبة سوار التي يحبها كثيرا، وينتظر حفل الزفاف في أقرب وقت.
وشكر فؤاد والديه، وجدته التي سهرت على تربيته وترتيب شؤونه في البيت من مأكل وملبس ونظافة، وفي كل مرة يرفع يديه إلى الأعلى” شاكرا الله على نعمه” والتفاف أسرته حوله.
وفي هذا الصدد، تقول والدته إن انجذاب ابنها للشابة سوار تم في إطار العائلة الموسعة من خلال الزيارات التي تفرضها بعض المناسبات، فمصابو متلازمة داون عفويون بشكل كبير، ودون حسابات أو تعقيدات أعرب الاثنان عن رغبتهما في التقاط صورة معا، صورة أعلنت ولادة علاقة حب ومودة نقية من الشوائب تطورت شيئا فشيئا لتصبح نواة على استعداد لتكوين أسرة.
وتضيف أن العائلتين تدركان جيدا أن مسألة الزواج تتطلب تأطيرا أسريا ونفسيا للعروسين، إضافة إلى متابعة طبية قبل وبعد الارتباط، مشددة على أنها لا تولي أي اهتمام لبعض المنتقدين الذين يملكون فكرة سطحية للغاية عن متلازمة داون، وأنها ستشد عضد ابنها في كل الظروف.
الطب والقانون
يعتبر زواج الأشخاص بمتلازمة داون أمرا نادرا، خاصة في المجتمعات العربية نظرا لقصور في فهم المرض، ولاعتبار زواج هذه الفئة من الناس ترفا من الأجدى تخصيصه للعناية بهم من مأكل وملبس وعلاج، ويتناسى الكثير حاجتهم إلى حياة عاطفية متوازنة تنصفهم بين أترابهم.
بدورها، تقول الدكتورة منيرة المدب الشريف وهي اختصاصية في علم الوراثة- إن المصابين بمتلازمة داون بشر يتمتعون بنفس الحاجات والرغبات الجنسية، إضافة إلى بنية فيسيولوجية عادية تسمح لهم بممارسة حياة زوجية تقليدية لا تختلف عن غيرهم.
وتضيف أن الحديث عن مسألة إنجاب الأطفال لهذه الفئة ينقسم إلى جزأين، فمن ناحية القدرة على الإنجاب يتعلق الأمر بامتلاك الرجل حيوانات منوية نشيطة قادرة على تلقيح البويضة، وهو أمر وارد رغم قلة الحالات التي أتت بنتائج إيجابية، ويتم فحص إمكانية ذلك عن طريق الخضوع لتحاليل مخبرية.
ويتعلق الجزء الثاني باحتمالية إنجاب أطفال مصابين بمتلازمة داون، ففي حالات معينة يستطيع الوالدان إنجاب أطفال أصحاء، وهذا ينطبق أيضا على زواج أحدهما من طرف غير مصاب بمتلازمة داون، بالتالي فان قرار الإنجاب يجب أن يتخذ بعد تحاليل وكشوف طبية.
أما من ناحية جواز زواج المصابين بمتلازمة داون قانونيا فترى الأستاذة المحامية سلوى الصفاقسي بكار أن المشرع ضبط شروط إبرام عقود الزواج والمتمثلة أولا في الأهلية، أي بلوغ سن الرشد المدني، وامتلاك القدرة الإدراكية، وهو شيء يحدده في هذا السياق الأطباء المختصون.
وتضيف أن القانون التونسي يفرض وجود شهادة طبية قبل إبرام عقود الزواج، مشيرة إلى أن متلازمة داون لا تفقد الأهلية ما لم يكن لها تأثير على المدارك العقلية.
تقدم فؤاد وسوار نحو تحقيق حلمهما بالزواج وتكوين أسرة رغم العراقيل الصحية والثقافية التي ترافقهما دليل على أن المودة والرحمة هي أساس نجاح العلاقات الإنسانية.