مع استمرار الحرب الأذرية الأرمينية، تبدو إيران أقرب إلى أرمينيا فضلا عن دعمها التاريخي لها، الأمر الذي يثير تساؤلات معقدة تتعلق بأسباب تأييد إيران لأرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية، رغم أن سياسة طهران تقوم على أنها قائدة العالم الشيعي، بينما تؤيد تركيا السنية أذربيجان.
يشار هنا إلى أن نحو 97% من سكان أذربيجان مسلمون، 85% منهم من المسلمين الشيعة، و15% من السنة، فلدى جمهورية أذربيجان ثاني أعلى نسبة من المسلمين الشيعة في العالم بعد إيران.
وتعتبر أذربيجان دولة علمانية، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أن 21% فقط من المشاركين من أذربيجان أن الدين جزء مهم من حياتهم اليومية.
وتعتبر أذربيجان دولة وسطية بين إيران وتركيا وروسيا، جغرافيا وسياسيا وإثنيا وتاريخيا، وتعتبر اللغة الأذرية أقرب لغة من المجموعة التركية إلى اللغة التركية الخاصة بتركيا.
ويمثل الأذربيجانيون حاليا نحو 16% من سكان إيران، وسبق لمقاطعة أذربيجان التي تقع في شمال إيران أن أعلنت استقلالها عن إيران وقيام جمهورية أذربيجان الشعبية عام 1945، مُتّخذة من تبريز عاصمة لها، حيث صمدت هذه الجمهورية عاما واحدا قبل أن تنتهي بعد تدخل الجيش الإيراني، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية في ذلك الوقت.
وفي السياق، يقول علي باكير، الباحث في مركز أورسام للدراسات بأنقرة “ينتمي مواطنو جمهورية أذربيجان إلى الإثنية التركية، ولأن معظم الدول التي نشأت حديثا إثر الحرب العالمية الأولى والثانية تم تشكيلها على أساس قومي وليس على أساس ديني، فإن القومية تسمو على غيرها من العناصر، ومن هذا المنطلق يُعرف الأذربيجانيون أنفسهم من باب الهوية القومية التركية وليس الطائفية الشيعية، ولذلك فهم أقرب إلى تركيا منهم إلى إيران”.
وأضاف باكير للجزيرة نت “الإيرانيون لا ينظرون إلى المواطنين في جمهورية أذربيجان على أنهم شيعة موالون لأهل البيت بالطريقة نفسها التي ينظرون إليها على سبيل المثال إلى بعض الشيعة الموالين لهم في لبنان والعراق والبحرين، وغيرها، علما أن النفوذ الإيراني في تحريك الهوية الطائفية لدى المواطنين الأذربيجانيين كان قد بدأ في العقدين الأخيرين”.
ولفت إلى أن تبني أذربيجان النموذج العلماني القومي يضعها في تناقض تام مع النموذج الديني الطائفي الذي تُقدمه إيران، فضلا عن ذلك، ينظر الطرفان إلى بعضهما بعضا بتوجس كبير نظرا لما يمثلانه من نموذج متناقض، على حد وصفه.
ويرى الباحث باكير أن العنصر الطائفي يظهر مع تخوف الجانب الإيراني من أن يمثل نجاح نموذج أذربيجان (العلماني – القومي) خطرا على النموذج الإيراني الذي يقدم نفسه من الزاوية الطائفية بحيث يصبح نموذج أذربيجان جذابا للشيعة الإيرانيين وللأذريين الإيرانيين أيضا بشكل يؤدي إلى تقويض نموذج الحكم الإيراني الديني.
علاوة على ذلك، فإن أذربيجان كانت تتخوف بشكل دائم من سياسة تصدير الثورة التي يمارسها النظام الإيراني ولذلك حمت نفسها من خلال التقرب إلى الغرب، الأمر الذي ساعد في توسيع الفجوة بين الطرفين ولاسيما مع توجه إيران نحو روسيا لتخفيف الضغوط الغربية عنها، وفقا لباكير.
واعتبر الباحث في مركز أورسام أن إيران أقرب إلى أرمينيا، فكلاهما يعتمد الدين والطائفية في تحريك العامة، كما أن أرمينيا المسيحية -بخلاف أذربيجان- لا تشكل خطرا على النموذج الإيراني.
وأوضح باكير أن مصالح موسكو تقاطعت مع مصالح طهران في مواجهة الدور التركي الذي يُنظر إليه على أنه منافس لهما في مناطق تعتبرها روسيا جزءا من إمبراطوريتها السوفياتية السابقة، وتعتبرها إيران تاريخيا جزءا من بلاد فارس الكبرى ومن الثقافة الفارسية.
وأضاف “لذلك فقد فضلت موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة أن تتيح لإيران هامشا واسعا في هذه المنطقة أيضا لمواجهة الصعود السني في القوقاز وآسيا الوسطى، بناء على ذلك فإن وقوف إيران مع أرمينيا هو في حقيقة الأمر وقوف لطهران ضد تركيا وليس ضد شيعة أذربيجان، كما أنه يحفظ مصالح إيران مع روسيا في المنطقة”.
من جهته، ذكر القيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم رسول طوسون أن إيران تؤيد أرمينيا المسيحية خوفا من ازدياد قوة جارتها أذربيجان، فضلا عن أن ملايين الأذريين يعيشون في شمال إيران التي تخشى تحركهم لصالح أذربيجان، لذلك إيران تؤيد أرمينيا لأسباب سياسية.
أما عن تأييد تركيا السنية لأذربيجان الشيعية، فقال طوسون للجزيرة نت إن ذلك يرجع لأسباب قومية، حيث إن معظم الأذريين من قومية الترك، “كما أننا نعتبر الأتراك والأذريين شعبا واحدا في دولتين”، وكذلك لأسباب اقتصادية مثل الغاز والنفط، فضلا عن الأسباب الإستراتيجية، حيث تعتبر أذربيجان البوابة الجغرافية الشرقية لتركيا.
وعن سبب عداء أنقرة لأرمينيا، فأرجعه طوسون إلى الخلاف التاريخي بين تركيا وأرمينيا وتمسّك الأخيرة بمزاعم الإبادة الأرمينية على يد العثمانيين، ومطالبة أنقرة بالاعتراف بها.
ولم يستبعد القيادي التركي حصول تحالف روسي إيراني تركي في ناغورني قره باغ على غرار الملف السوري، لكنه لن يتمكن من حل المشكلة إلا بانسحاب أرمينيا من الأراضي المحتلة، فدون ذلك لن ترضى تركيا بأي خطوة تسوغ الاحتلال، وفق طوسون.
ويرى مراقبون أن أنقرة بتأييدها لباكو تسعى للحصول على موطئ قدم في منطقة القوقاز على الحدود الروسية، لتمتلك ورقة ضغط قوية في مفاوضاتها مع روسيا، والحصول على تنازلات من موسكو في الملف السوري والليبي.