جاء الإعلان السوداني بتعليق مشاركته في مفاوضات سد النهضة التي بدأت، الخميس الماضي، مفاجئا ومستندا على مبررات يراها البعض غير مقنعة.. فما السر وراء هذا القرار المفاجىء من حكومة الخرطوم، وهل يمكن التراجع عنه؟
يرى مراقبون أن المبررات التي ساقتها وزارة الري السودانية غير واقعية، خصوصا وأن السودان لم يوقع على اتفاق واشنطن في فبراير/ شباط الماضي، والذي أنجزه خبراء دوليين محايدين من ذوي الكفاءات العالية، الأمر الذي قد يضع الكثير من علامات الاستفهام حول القرار، لأن المستفيد الأول منه في هذا التوقيت هى إثيوبيا.
غير منطقي
علق خبير الموارد المائية والمستشار السابق بوزارة الري السودانية حيدر يوسف، على قرار السودان بتعليق مشاركته في مفاوضات سد النهضة بسبب عدم إعطاء دور أكبر لخبراء الاتحاد الإفريقي في عملية التفاوض قائلا:
هذا الأمر غير منطقي، لأن الخرطوم لم توضح من هم الخبراء وفي أي مجالات، ولا نعلم أن هناك مستوى عال من الخبراء في إفريقيا في تلك التخصصات، وطريقة السودان في مفاوضات سد النهضة كانت خاطئة منذ البداية، حيث اعتُبر أن هذا السد فيه فوائد للسودان.
وأضاف في اتصال هاتفي مع “سبوتنيك“: “كان يجب علينا عند المشاركة في هذا السد أن نعد وندرس الأخطار التي يمثلها على السودان، لكن يبدو أن المفاوضين الإثيوبيين نجحوا في تحويل مسيرة المفاوضين الإثيوبيين لتحقيق مخططاتهم، لذا كان يجب أن تبدأ المفاوضات بعد تحديد حجم الضرر والخسارة التي تعود على السودان”.
وأشار إلى قول الرئيس المصري في كلمته أمام الدورة 74 للأمم المتحدة، إن “إثيوبيا تبني خزان بدون دراسات، وخلال السنوات الماضية نتفاوض مع إثيوبيا حول الملء والتشغيل مع أن السد في ذاته يمثل أكبر خطورة من الناحية الفنية، علاوة على ذلك اتضحت النوايا أنه لم يكن للفائدة وإنما للتحكم في مياه النيل الأزرق”.
شكوك حول القرار
وتابع خبير الموارد المائية:” بعد تلك السنوات الطوال تخرج إثيوبيا وتقول أنها لن توقع على أي اتفاق ملزم ومع ذلك ظلننا مستمرين في الاجتماعات التي نعلم أنه لا فائدة ترجى من ورائها، لذا فإن تلك العملية عبثية منذ اليوم الأول لها، نحن بدأنا بطريقة خاطئة كانت نتيجتها الاستمرار في بناء السد والملء وسوف يستمرون في ذلك”.
وأردف أن إثيوبيا لم تلتزم بالقانون الدولي المتعلق بالمياه وحقوق الدول في الانهار المشتركة، حيث تلزم اتفاقية الأنهار أديس أبابا بضرورة الإخطار المسبق قبل أن تقوم بأي عمل بحق الأنهار المشتركة مع دول أخرى، كما أنها لم تلتزم باتفاقية العام 1902 التي وقعتها مع السودان، والتي تعهدت بموجبها بعدم التعدي على أي من البحيرات والأنهار المشتركة إلا بعد موافقة الأطراف الأخرى.
وأكد يوسف أن
انسحاب السودان بهذه الطريقة ودون وضع شروط يمثل تعديا على قضايا البلاد وأمنها القومي، ويقدم خدمة لإثيوبيا، وسوف تستمر إثيوبيا في ملء الخزان واستكماله وتشغيله كما تريد.
واستطرد: “ما علينا الآن سوى تحمل نتائج القرارات السابقة وضياع الخزانات والسدود السودانية، سد النهضة كارثة على السودان بكل المقاييس، وإذا كان انسحاب السودان من المفاوضات مبني على أمور علمية دقيقة فيجب عدم ملء الخزان إلا بعد عمل الدراسات الكافية كما اقترحت أمريكا والبنك الدول في فبراير/شباط الماضي”.
إثيوبيا المستفيد
وأشار خير الموارد المائية إلى أن واشنطن تقدمت بمقترح في فبراير/ شباط الماضي يقضي بعدم قيام إثيوبيا بأي عملية ملء قبل عمل الدراسات حول الجوانب الفنية والإنشائية للسد، لكن أديس أبابا رفضت هذا المقترح، ولو استمرت المفاوضات عقدان من الزمن لن تكون هناك نتائج.
وأكمل حديثه بالقول إن السد يتم بناؤه وملئه ولا يمكن العودة للخلف بعد الملء الثاني والثالث، وكان على الخرطوم أن ترفع دعوة أمام الأمم المتحدة وأمينها العام والمحكمة الجنائية الدولية والبنك الدولي حال انسحابه من المفاوضات، لأن هناك شركات أجنبية عالمية قامت ببناء هذا الخزان دون موافقة الدول المتأثرة وفق نص القانون الدولي.
رسالة للعالم
من جانبه قال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لشؤون السودان وحوض النيل الدكتور هانى رسلان، إن انسحاب السودان سوف يؤدي بكل تأكيد إلى توقف المفاوضات لأنها مفاوضات ثلاثية ولن يكون هناك معنى لاستكمالها بشكل ثنائي في غياب طرف رئيسي هو رسالة للعالم بأن العملية تسير في طريق مسدود، والجميع يعلم أن إثيوبيا هى الطرف المتعنت، كما يوضح هذا الانسحاب أيضا إخفاق جهود الاتحاد الإفريقي.
وأضاف في اتصال هاتفي مع “سبوتنيك“، أن هناك نقطة أخرى تثير الانتباه في الموقف السوداني وهى أن الخرطوم بررت تعليقها للمشاركة على عدم استجابة الاتحاد بإعطاء دور أكبر للخبراء الأفارقة، وهذا السبب ليس مبررا كافيا، لأن السودان سبق وأن رفض التوقيع على اتفاقية واشنطن والتي وضع فيها الخبراء الدوليين الـ10بالمئة المختلف عليها بشكل متوازن يحقق مصالح كل الأطراف.
وأردف:”رغم ذلك رفضت الخرطوم التوقيع، والآن وبعد رفض مقترحات الخبراء الدوليين صاحبي الخبرات الكبيرة، وهم طرف محايد لأنهم يمثلون مؤسسات دولية، نطالب اليوم بخبراء أفارقة قد يكون لديهم انحيازات بحكم الانتماء، وأيضا قد لا يكونون على المستوى المهني والعلمي الكافي، فهل يضمن السودان أن ينتج الخبراء الأفارقة الذي يطالب بدور مؤثر لهم على إنتاج وثيقة محايدة كالتي تمت صياغتها في واشنطن والتي رفضها السودان .. هذه مسألة مشكوك فيه”.
غياب للمصلحة السودانية
وأوضح رسلان أن السودان كان بإمكانه أن يسوق مبررات أكثر قوة وتصب في مصالحه، لأن مسألة الدور المؤثر للخبراء الأفارقة هو أمر إجرائي ولا يستحق مثل هذا الموقف.
ونفى مستشار مركز الأهرام أن تكون هناك علاقة بين عملية رفض المشاركة في المفاوضات والتدريب المشترك بين القوات الجوية المصرية والسودانية مؤخرا، مشيرا إلى أن التدريب الذي تم والتنسيق الذي جرى كان بالتنسيق مع القوات المسلحة السودانية وهذا بعيد عن الحكومة المدنية بقيادة حمدوك.
وأوضح أن “وزير الري السوداني ياسر عباس يحسب على اللوبي الإثيوبي في السودان وكذلك رئيس الوزراء حمدوك، لذلك هم يستغلون هذا الوضع الراهن ويطرحون وجهات نظرهم بأنها تمثل مصالح السودان، حيث أن وزير الري والوفد المفاوض هم المتحكمين في هذا الملف، وهم متهمين أيضا بأنهم متعاطفين مع إثيوبيا، حيث أن هذا الوفد هو نفس الوفد منذ عهد النظام السابق”.
أعلن السودان، أمس السبت، عدم حضوره جلسة وزارية تتعلق بالمفاوضات حول مشروع سد النهضة الإثيوبي تأكيدا لاعتراضه السابق على طريقة سير المفاوضات بين الدول الثلاث.
وبحسب وكالة الأنباء السودانية، قالت وزارة الري السودانية في بيان أن “السودان قرر عدم المشاركة في الاجتماع الوزاري حول سد النهضة الذي تمت الدعوة لعقده بعد ظهر اليوم السبت”.
وأكد وزير الري السوداني ياسر عباس، في رسالة بعث بها إلى بيكلي سليشي، نظيره الإثيوبي، “على موقف السودان الداعي لمنح دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي لتسهيل التفاوض وتقريب الشقة بين الأطراف الثلاثة، وأن الطريقة التي اتبعت في التفاوض خلال الجولات الماضية أثبتت أنها غير مجدية”.
وجددت الرسالة التأكيد على
تمسك السودان بالعملية التفاوضية برعاية الاتحاد الأفريقي للتوصل لاتفاق قانوني ملزم ومرضي للأطراف الثلاثة، إعمالا لمبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الإفريقية.
واستأنفت الأطراف الثلاثة مصر وإثيوبيا والسودان، مباحثات حول سد النهضة الإثيوبي برئاسة وزراء الموارد المائية في الدول الثلاث، في مطلع الشهر الجاري، حيث تولى السودان تنظيم الاجتماع”.
وحث الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مؤخرا، الدول الثلاث على التوصل لاتفاق حول سد النهضة، محذرا من احتمال قيام مصر (بتفجير) السد حفاظا على حقوقها المائية.
وبدأت إثيوبيا تشييد سد النهضة على النيل الأزرق عام 2011، وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا، تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
وعلى الرغم من توقيع إعلان للمبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، حول قضية سد النهضة في آذار/ مارس 2015، والذي اعتمد الحوار والتفاوض سبيلا للتوصل لاتفاق بين الدول الثلاث حول قضية مياه النيل وسد النهضة، إلا أن المفاوضات، والتي رعت واشنطن مرحلة منها، لم تسفر عن اتفاق منذ ذلك الحين.
شارك هذا الخبر على