وافقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، بالأمس الأربعاء، على مشروع قانون (H.R. 4397) ذي الآثار الاستراتيجية الواسعة، والذي يهدف إلى تصنيف جماعة “الإخوان المسلمين” كمنظمة إرهابية أجنبية بتعريف موسع وغير مسبوق. ويقود المشروع النائبان ماريو دياز-بالارت (جمهوري) وجاريد موسكوفيتز (ديمقراطي)، ليحمل في صيغته الحالية إمكانية تطبيقه على عشرات الدول عبر العالم.
التعريف الموسع والشبكة العابرة للحدود
يتمحور الابتزاز القانوني للمشروع حول تعريفه الشامل الذي يشمل “أي كيان يُعد فرعاً أو جمعية أو منظمة مملوكة أو خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها”. هذا التعريف يفتح الباب لاستهداف شبكة معقدة من المؤسسات والجمعيات المرتبطة بالجماعة تحت أسماء مختلفة. ويمتد النطاق المقترح ليشمل دولاً عربية وإسلامية عدة، من بينها مصر والأردن وقطر وتركيا وتونس والمغرب ولبنان واليمن، مع ذكر السودان بشكل واضح ومتكرر في سياق يستهدف فرعها المحلي “الحركة الإسلامية السودانية”.
تجاوز الأمر التنفيذي لترمب وتصحيح المسار الأمني
يذهب المشروع إلى ما أبعد من الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس السابق دونالد ترامب في نوفمبر 2019، والذي ركز على فروع محددة. يُقرأ هذا التوسيع كـ”تصحيح للفهم الأمني” الأمريكي، حيث لم يعد التعامل مع الإخوان كحركة سياسية ذات حضور اجتماعي، بل كـ”شبكة عابرة للحدود منخرطة في العنف” وتهدد المصالح الأمريكية والإقليمية. المشروع ينسف الذريعة التاريخية التي تحاجج بعدم وجود تنظيم موحد، مستهدفاً الفروع التي تحولت إلى “أذرع للعنف”.
السودان: النموذج الكامل للخطر
يأتي ذكر السودان في صلب هذا التوجه ليس كدولة عابرة، بل كـ”نموذج كامل لفهم الخطر”. فـ”الحركة الإسلامية السودانية”، باعتبارها الفرع الأكثر تطرفاً من الإخوان في أفريقيا، تُقدم في الخطاب الضمني للمشروع كحالة دراسية: تنظيم عقائدي بنى “دولة عميقة” ابتلعت مؤسسات الدولة الرسمية، وأشعل حروباً في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، واحتضن تنظيم القاعدة في تسعينيات القرن الماضي، وأفرز شبكات المليشيات التي غذت الصراع الدائر. وبالتالي، يصبح القرار ضربة استباقية لمحاولات إعادة تدوير هذا المشروع عبر الجيش أو الدولة العميقة في مرحلة ما بعد الحرب.
انقسامات وتحفظات.. ولكن الآلية تتحرك
كشف النقاش داخل اللجنة عن انقسامات حتى بين بعض مؤيدي المشروع، حيث أُثيرت تحفظات قانونية وسياسية حول مدى دقة التعامل مع “الإخوان المسلمين” كمنظمة مركزية موحدة، وجدوى هذا التصنيف الموسع. ومع ذلك، تمت التوصية بإحالة مشروع القانون إلى الجلسة العامة لمجلس النواب بعد الإجراءات التنظيمية اللازمة. في المقابل، لم يُحدد موعد لمناقشة مشروع قانون مماثل مقدم في مجلس الشيوخ بقيادة السيناتور الجمهوري تيد كروز.
ارتدادات إقليمية ودولية: إعادة ضبط المعادلة
لا يقتصر أثر المشروع المقترح على التصنيف القانوني فحسب، بل يشكل إعادة ضبط للمعادلة الإقليمية والدولية:
- الدول المصنفة سابقاً (مثل السعودية والإمارات ومصر): ستستقبل القرار كتأكيد دولي متأخر لمسارها في مواجهة الإسلام السياسي.
- الدول ذات العلاقة المعقدة (مثل الأردن وتركيا وقطر): ستواجه معضلات وجودية أو سياسية. فعمّان ستسعى لتطبيق محدود لا يفجر بنيتها الداخلية، بينما سترى أنقرة والدوحة في القرار تهديداً مباشراً لأدوات نفوذهما الإقليمي الناعم والصلب، وسيحاولان التمييز بين التنظيم والأفراد للاحتفاظ بمساحة للمناورة.
- أوروبا: سيكشف القرار انقساماً جوهرياً؛ فبينما سترحب دول مثل فرنسا والنمسا، ستتردد أخرى مثل ألمانيا وبريطانيا خشية الاصطدام بالبنى الإسلامية المحلية. لكن الزخم الأمريكي سيرغم الجميع على مراجعة ملفات التمويل والجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية المرتبطة بالجماعة.
خاتمة: لحظة تحول في “روح النظام الدولي”
يمثل مشروع القانون هذا، إن تحول إلى قانون، لحظة تحول استراتيجي. فهو لا يستهدف تنظيماً بعينه فحسب، بل يهدم “منهجاً كاملاً” ظل يتخفى لعقود تحت عباءة “الإسلام المعتدل” أو “العمل السياسي” بينما يبني هياكل موازية للدولة. إنه إعلان بأن زمن “المنطقة الرمادية” في التعامل مع جماعة الإخوان وفروعها آخذ في الأفول، ليحل محله منطق أمني صارم يعيد تعريف العلاقة بين الدولة الوطنية وأي تنظيم عقائدي عابر للحدود يسعى للهيمنة. القرار، بهذا المعنى، يرسم نهاية الوهم القديم: أن مشروع الإخوان يمكن احتواؤه أو التعامل معه بمعزل عن مخاطره الأمنية الممتدة من السودان إلى قلب المجتمعات الغربية.





