المتابع للشأن السوداني يلحظ بوضوح التناقض الحاد بين خطاب البرهان يوم أمس أمام جمع من كبار القادة العسكريين، خطاب يوجَّه إلى الداخل العسكري قبل أي شيء، ويحمل رسائل واضحة بأن خيار التصعيد في الحرب قد تم اعتماده والمضي فيه.
في المقابل، جاء خطاب حميدتي اليوم مختلفاً في التوقيت والمحتوى. فهو موجَّه بوضوح إلى المجتمعين الإقليمي والدولي، ويقدَّم نفسه كصاحب خطاب سياسي ودبلوماسي أكثر من كونه خطاباً تعبويّاً موجهاً للمقاتلين على الأرض.
بينما يخاطب البرهان العسكر ويُصعِّد من لهجة الحرب، يبعث حميدتي برسائل قبول لمبادرة الرباعية وهدنة إنسانية تحت مظلة وقف إطلاق نار لثلاثة أشهر. وكان من المتاح له أن يختار منصة عسكرية جماهيرية لو أراد، لكنه آثر مخاطبة الخارج، في إشارة إلى أن جمهوره الأساسي في هذه اللحظة هو العواصم الإقليمية والدولية لا الحشود العسكرية.
من الصعب افتراض أن البرهان قرر التصعيد منفرداً. فتعقيدات اللحظة الإقليمية والدولية أكبر من أن تُدار بقرار شخصي معزول. الأغلب أن هذا الخيار جاء في سياق مشاورات وتفاهمات، تتجاوز قدرات البرهان الفردية وحدود قراره الشخصي.
الشاهد أن البرهان ربما تلقّى تطمينات من بعض دول الإقليم، وعلى رأسها قطر وتركيا، خصوصاً في ظل تصريح الرئيس أردوغان أمس – بحسب ما نقلته رويترز – بأن “الأشقاء في السودان طلبوا من تركيا المشاركة في جهود السلام”. هذا النوع من التصريحات لا يخرج عادةً من فراغ، بل يعكس حراكاً واتصالات في الكواليس.
هنا يمكن أيضاً عدم استبعاد دور كلٍّ من قطر وإيران في المشهد. فهاتان الدولتان، مع تركيا، تمثّلان محوراً إقليمياً معروفاً بدعمه للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وإحتضانه لعدد من قياداته. ويأتي ذلك في ظل سوابق بعد تصريحات الرئيس ترمب خلال فترة رئاسته عن تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية وفق القانون الأميركي، والتي بدأت إجراءاتها اليوم الإثنين في البيت الأبيض.
بين هذا وذاك… بين خطاب البرهان وخطاب حميدتي، وبين الرباعية ودولها، وبين معسكرات اللجوء والنزوح والتشرّد، ونقص الغذاء والدواء، وصولاً إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، يجد المواطن السوداني المغلوب على أمره نفسه عالقاً بين سنادين الإقليم والمجتمع الدولي، ومطارق الجنرالات المتحاربة في الخرطوم.





