منذ سبعين عامًا، والسودان يعيش في حلقة مفرغة من الدم والخراب، يصنعها ذات الوجوه التي لا تشبع من الحروب ولا تتعلم من المآسي. اليوم، يعود الفلول ومجرمو الحرب لتكرار المشهد ذاته، بإعلان استنفار جديد تحت لافتة “المقاومة الشعبية”، يخدعون بها المواطنين العُزل ويدفعونهم للموت دفاعًا عن مصالحهم، لا عن الوطن.
لكن أي “مقاومة” هذه التي تُبنى على دم الأبرياء؟ وأي “كرامة” تُبرَّر بالقتل والتشريد؟
إنها مفارقة سودانية مؤلمة؛ نفس الذين أشعلوا الحرب بالأمس هم من يدّعون اليوم الحزن على ضحاياها، وكأنهم لم يكونوا سببًا في كل هذا الدمار. لقد نجحوا في تحويل الحرب إلى شعار مقدّس، وتزييف الوعي حتى صار البعض يظن أن القتال هو الطريق إلى الكرامة، وأن السلام ضعفٌ وخيانة.
يا شباب السودان، لا تنخدعوا بشعاراتهم. هؤلاء لا يريدون مقاومة، بل استمرارًا لدوامة السلطة والدم. لقد بنوا وعيًا زائفًا لثلاثة عقود، جعل من الجهل عقيدة، ومن الطاعة العمياء فضيلة.
الحرب لا تصنع كرامة، بل تقتلها. لا تبني وطنًا، بل تهدمه. والذين يطالبونكم اليوم بحمل السلاح، هم أول من يهربون حين تشتعل النار.
إن المقاومة الحقيقية اليوم ليست في إطلاق الرصاص، بل في حماية الوعي. في أن نقول “لا” لمن يريدون تحويلنا إلى وقود لحروبهم.
فلنقاوم الجهل، لا إخوتنا.
ولنحفظ السودان من دورة الدم التي لا تنتهي.
فلنرفع صوتنا جميعًا:
كفى دماء، كفى خداعًا، كفى استغلالًا باسم الدين والوطنية!
إن زمن الفلول انتهى، وزمن الوعي بدأ، وعيٌ يرفض الحرب، ويؤمن أن بناء السودان الجديد يبدأ بالعقول الحرة، لا بالبندقية.





