تقارير : رؤى نيوز
بعد ساعات من دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة الفاشر في 26 أكتوبر الماضي، تصدّر مقطع فيديو يظهر أفرادًا من القوات وهم يهددون أمًّا وأطفالها منصات التواصل الاجتماعي، محققًا أكثر من 13 مليون مشاهدة في وقت وجيز. كما انتشرت صور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية زُعم أنها تُظهر بقع دماء كبيرة على الأرض.
لكن تحقيقات أجراها فريق مختص لصالح شبكة دويتش فيله ومنصات أوروبية أخرى، كشفت أن المقطع مفبرك بالكامل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأن الصور المتداولة إما قديمة أو مزورة. هذا الكشف أثار تساؤلات حول الجهة التي تقف وراء موجة التضليل ودوافعها في هذا التوقيت.
ورغم حقيقة الانتهاكات والتصفيات التي طالت المدنيين منذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، فإن حجم المحتوى المتداول عبر الإنترنت، الذي يزعم توثيق الفظائع، يتراوح بين الحقيقي والمفبرك، في إطار ما وصفه متخصصون بأنه “تضليل ممنهج”.
وقال فولكر بيرتس، الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة في السودان:
“هذه الحرب تُدار على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر المعلومات المضللة بأشد أشكالها وحشية.”
وأضاف: “النشطاء يحمّلون كل جانب مسؤولية المجازر وفق انتماءاتهم، في مشهد يغلب عليه خطاب الكراهية.”
قنوات إعلامية في فخ التضليل
المقطع المفبرك سقطت في فخه وسائل إعلام كبيرة وشخصيات مؤثرة، التي نشرته باعتباره مشهدًا حقيقيًا، ما ساهم في توجيه الرأي العام المحلي والعالمي.
ونقلت دويتش فيله عن غيريت كورتز، الباحث في شؤون النزاعات بمعهد الشؤون الدولية والأمنية في برلين، قوله إن “التضليل الإعلامي الصادر من السودان يستهدف بشكل أكبر المجتمع الدولي، بالنظر إلى مصالح القوى الأجنبية في البلاد.”
وتشير تحليلات أجرتها فرق تحقق من دويتش فيله، ووكالة فرانس برس، ومنصة يوراسيا، إلى أن الصور واللقطات التي ادّعت توثيق “فظائع ارتكبتها قوات الدعم السريع”، بما فيها ما قيل إنه “برك من الدماء شوهدت من الفضاء”، تبين أنها صور قديمة، أو حفر مياه جافة، أو مواد مولدة بالذكاء الاصطناعي.
كما أثبت محللو الأقمار الاصطناعية أن لقطة شاشة من خرائط “غوغل إرث” قيل إنها تُظهر موقع مجزرة، في الواقع قديمة وتُظهر تجمع الماشية حول برك مياه.
من يقف خلف الفبركة؟
ورغم عدم وضوح الجهة التي نفذت الفبركات، يشير تقرير نشرته منصة يوراسيا إلى أن قوات الجيش والمجموعات المتحالفة معها عملت – قبل فرارها من الفاشر – على “إخفاء هزيمتها بغطاء من الخداع والتضليل”.
ويرى محمد المختار، المتخصص في مكافحة التضليل، أنه “رغم وقوع انتهاكات طالت المدنيين، فإن كثيرًا من المواد المنتشرة كانت مفبركة بشكل ممنهج بهدف التأثير على المشاعر وصناعة حقائق بديلة.”
ويضيف في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”:
“عمليات التضليل التي صاحبت انهيار الجيش في الفاشر جاءت في إطار حملة إعلامية ضخمة تهدف إلى إعادة تعريف الحرب باعتبارها عدوانًا خارجيًا وليس صراعًا داخليًا.”
في المقابل، يتساءل جيمس ويلسون، المحلل في منصة يوراسيا:
“هل كانت القوات التابعة للجيش هي من نشر هذه المقاطع؟ خاصة أن المواد المفبركة كانت جاهزة وانتشرت فور سقوط المدينة؟”
ونقلت صحيفة لوموند عن دبلوماسي غربي قوله:
“لم تكن مأساة الفاشر مفاجئة. الجميع كان يعلم منذ فترة أنها قادمة.”
ويعتبر مراقبون أن الفاشر تمثل نقطة رمزية مهمة، وأن هزيمة الجيش فيها كانت ضربة قاسية معنويًا، ما استدعى – من وجهة نظرهم – حملة دعائية واسعة للتخفيف من وقع الصدمة.
وصف برافين أونديتي، الباحث بمعهد هورن للدراسات الاستراتيجية، ما حدث قائلا:
“سقوط الفاشر كان هزيمة عسكرية وسياسية ورمزية كارثية للقوات المسلحة السودانية.”





