تقرير: المرصد السوداني الوطني لحقوق الإنسان
تجنيد الأطفال وإشراكهم في المعارك القتالية يُعد جريمة جديدة تُضاف إلى سلسلة جرائم الحرب المرتكبة من قبل القوات المسلحة السودانية والمليشيات الموالية، ويكشف عن ضعف المنظومة العسكرية والتنظيمية ويُعدّ انهياراً في بنية التنظيم العسكري.
استغلال الحرب وظروف الأسر
بينما يحاول البعض تصوير تجنيد الأطفال كمظهر من مظاهر الولاء الشعبي، فإن الحقيقة أن اللجوء إلى تجنيد الأطفال لا يحدث في الجيوش النظامية التي تمتلك قيادات محترفة ومقاتلين مدربين، بل هو علامة على الضعف والانهيار الداخلي ونقص الكوادر المؤهلة.
في ظل الحرب، استغلت الأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية للقوات المسلحة السودانية حاجة الأسر للمال، والانقطاع عن التعليم، والنزوح، لتجنيد أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا، بعضهم جُنّد قسرًا والبعض الآخر تحت غطاء “الدفاع عن الوطن” أو بمقابل مالي.
الوقائع الميدانية وأساليب التجنيد
تشير التقارير المحلية إلى تصاعد ملحوظ في حالات تجنيد الأطفال، حيث تم استهدافهم داخل المدارس والمخيمات الصيفية ودور العبادة، مع استخدام أساليب دعائية مثل مصطلح “براؤون”، الذي يحمل مضامين أيديولوجية متطرفة لتعبئتهم ذهنياً قبل إرسالهم إلى ساحات القتال.
مقاطع “فيديو” مسرّبة توثق الجريمة
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات مسرّبة توثق أطفالاً دون السن القانوني بالزي العسكري وهم يشاركون فعلياً في العمليات القتالية، إلى جانب شهادات الناجين، مما يؤكد تورط سلطات الأمر الواقع في تعبئة الأطفال تحت مسمى “المقاومة الشعبية”.
آثار التجنيد وخرق المعاهدات الدولية
ظهور الأطفال المقاتلين يعني نقص الجنود النظاميين، وهنا تكمن المأساة في دفع الأطفال إلى ساحات القتال، حيث يُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية ويُستبدل الجندي النظامي بطفل لم يعرف بعد معنى الحياة، بدلاً من التمتع بطفولتهم الطبيعية المليئة بالتعلم واللعب.
رغم توقيع السودان على اتفاقية حقوق الطفل (Convention on the Rights of the Child) عام 1990، استمرت الانتهاكات في الخفاء بتسهيلات ضمنية من النظام نفسه، مع غياب آليات مساءلة حقيقية.
لا تقتصر آثار هذه الجريمة على اللحظة الراهنة، بل تُخلف وراءها جيلاً مشوّهًا نفسيًا ومجتمعًا مفككًا، حيث يصبح العنف جزءًا من هوية الطفولة السودانية ويؤدي إلى مستقبل أكثر دموية.
القانون الدولي وتجنيد الأطفال
تجنيد الأطفال مؤشر على أزمة بنيوية داخل الأجهزة العسكرية وشبه العسكرية، حيث يُزجّ بأطفال لا يملكون أي وعي سياسي أو إنساني ليحلوا محل الجنود النظاميين، ويُستخدمون في بعض الحالات كدروع بشرية، ما يعرض حياتهم للخطر ويجردهم من حقوقهم الطبيعية.
وفق القانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل (المادة 38)، يُعدّ تجنيد الأطفال دون سن 15 عامًا في النزاعات المسلحة جريمة حرب.
البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعتبر استخدام الأطفال دون سن 18 عامًا في العمليات القتالية جريمة جسيمة.
دعوة للتحرك الدولي
إن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة هو جريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف. يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التحرك بسرعة لوقف هذه المأساة المتكررة وإنقاذ ما تبقى من براءة الطفولة في السودان.






