تُعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة من أبرز النماذج العربية في السعي إلى الاستقرار الإقليمي وتعزيز السلم والتعاون، مستندةً في ذلك إلى إرث زاخر من الحكمة والرؤية الثاقبة التي رسّخها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. فقد عُرف الشيخ زايد بلقب “حكيم العرب”، ليس فقط لمواقفه السياسية المتزنة، بل لقدرته الفريدة على رأب الصدع بين الأشقاء، وتغليب صوت العقل والحوار على التناحر والانقسام. لقد كان يرى في الوحدة قوة، وفي التضامن العربي ضرورة لبناء مستقبل يليق بالشعوب. وبهذه الروح، أسّس نهجًا دبلوماسيًا إماراتيًا يقوم على الاحترام، والمساعدة، وحسن الجوار، ولا يزال هذا النهج حاضرًا في كل مواقف الدولة حتى اليوم.
الإمارات، منذ نشأتها، اتخذت لنفسها موقعًا متقدمًا في قضايا السلام الإقليمي. لم تكن وسيطًا محايدًا فحسب، بل كانت طرفًا فاعلًا يسعى بإخلاص لحل النزاعات، وتخفيف معاناة الشعوب، وتقديم النماذج الواقعية للتعايش المشترك. ولعل أبرز ما يدل على ذلك هو ما أقدمت عليه الدولة حين وقّعت اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل عام 2020، خطوة جريئة ونادرة في السياق العربي، لكنها كانت مبنية على حسابات دقيقة تراعي مصالح الشعوب، وتحاول خلق واقع جديد في المنطقة يسوده التعاون والتقدم بدلًا من الحروب الدائمة. لم يكن ذلك انسلاخًا من القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بل محاولة صادقة لإعادة هذه القضايا إلى مسار التفاوض والحلول العملية بعيدًا عن منطق الشعارات والجمود السياسي.
في هذا السياق، واصلت الإمارات لعب دورها الريادي كدولة تؤمن بأن التنمية لا يمكن أن تنفصل عن السلام، وأن العالم العربي لا يملك ترف الانتظار أمام التحديات الكبرى التي تواجهه. ولذلك، فإن دورها في مناطق النزاع لم يقتصر على الجوانب السياسية فقط، بل امتد إلى المبادرات الإنسانية الواسعة التي استهدفت حماية المدنيين، ودعم المتضررين، وتوفير المساعدات العاجلة للدول المنكوبة. وقد تجلّى هذا الدور بشكل واضح في السودان، حيث ربطت بين البلدين علاقات متجذّرة في التاريخ، لا تحكمها المصالح الضيقة، بل يقوم أساسها على الأخوة والتضامن الحقيقي. فالإمارات، منذ عقود، كانت إلى جانب السودان في كل محنة، تمدّه بالعون حين يضيق الحال، وتدعمه في البناء حين تسنح الفرص.
وخلال الحرب الأخيرة التي عصفت بالسودان، كانت الإمارات في مقدمة الدول التي هبّت لنجدته، فأقامت جسورًا جوية للمساعدات، وموّلت مبادرات إغاثية، وسعت على المستوى السياسي لجمع الفرقاء على طاولة الحوار. لكنها، وكما هي عادتها، لم تسع إلى الظهور أو الدعاية، بل فضّلت العمل الصامت المخلص. ومع ذلك، لم تسلم من حملات التشكيك والتجني، لا سيما من أطراف مرتبطة بالسلطة المؤقتة المتمركزة في بورتسودان، التي تبنّت خطابًا عدائيًا تجاه الإمارات، في محاولة يائسة لتصدير أزماتها الداخلية والتغطية على إخفاقاتها في إدارة شؤون البلاد.
ما يقوم به نظام بورتسودان لا يُعد إساءة للإمارات فحسب، بل إساءة صريحة لتاريخ العلاقات الأخوية بين الشعبين، وتنكّر لكل المواقف النبيلة التي وقفتها الإمارات إلى جانب السودان في أصعب لحظاته. لا يمكن لمثل هذه الممارسات أن تمثل الشعب السوداني، الذي عرف الإمارات وشهد على دعمها، ويدرك أن من يقف إلى جانبه في السراء والضراء لا يُقابل بالعداء، بل بالشكر والوفاء. وان سلوك حكومة بورتسودان تجاه الإمارات يشبه تماما اخلاق تنظيم الاخوان المسلمين الارهابي والمنبوذ عالمياً.
إن ما يميز السياسة الإماراتية هو التوازن والهدوء والحكمة، وهي صفات متجذّرة في إرث الشيخ زايد الذي آمن دومًا بأن العلاقات تُبنى على الثقة، لا على المصالح الوقتية. واليوم، تستمر القيادة الإماراتية على هذا النهج، رافعةً راية السلام، داعية إلى التآخي بين الشعوب، رافضة للفرقة والكراهية، ومؤمنة بأن مستقبل الشرق الأوسط لا يُبنى بالصراعات، بل بالتعاون والتكامل والمصارحة.
إن تجربة الإمارات في العمل من أجل السلام والدعم الإنساني، ليست إلا انعكاسًا لسياسة دولة تستشرف المستقبل، وتدرك أن دورها يتجاوز حدود الجغرافيا، ليصل إلى حيث تُطلب المساعدة وتُنتظر الكلمة الطيبة. وفي عالم تتزايد فيه التحديات، يبقى حضور الإمارات علامة فارقة في المشهد السياسي العربي، ودليلًا حيًا على أن الحكمة والاعتدال لا تزال لهما مكان في زمن الأزمات.