شهدت مدينة الفاشر ومعسكر زمزم مشهداً مأساوياً يكشف عن أبشع أوجه الاستغلال الإنساني، حيث تُستخدم معاناة النازحين كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية. فحركات مناوي وجبرين التابعة لجيش الكيزان لا تتوانى عن استغلال حاجة أهلهم النازحين للبقاء والأمان، وتدفع بهم قسراً للبقاء في مناطق استعرت فيها نيران الحرب، مستخدمةً إياهم كدروع بشرية.
في واقع لا يحتمل المزيد من الألم، تحوّل قادة مثل مني أركو مناوي وجبرين إلى رموز للارتزاق السياسي، يتاجرون بأوجاع أهلهم الأبرياء، ويستثمرون في مآسي من يفترض أنهم يمثلونهم. يتبجحون في وسائل الإعلام بالحديث عن معاناة النازحين من الحرب، لا لإيجاد حلول أو تخفيف الكارثة، بل لتسجيل مواقف تبرر ولاءاتهم لأسيادهم الكيزان في بورتسودان.
عامٌ ونصف من إعلان هذه الحركات الحرب في الفاشر لم يشفع للمدنيين البسطاء بأن يُنظر إليهم كضحايا، بل تحوّلوا إلى أدوات ضغط، تُحتجز أرواحهم رهينة لطموحات مرتزقة لا يعرفون للرحمة سبيلاً. ووسط هذا الواقع المؤلم، تبرز الحقيقة المرّة: أن بعض القادة اختاروا الدناءة طريقاً، على حساب دماء أهلهم وكرامتهم.
ومع كل مأساة المدنيين في الفاشر هذه، بدأت تباشير الخلاص تلوح في الأفق، فقد استجاب المدنيون لنداءات مكونات تحالف تأسيس، وسعوا للنجاة بأنفسهم من جحيم حركات الارتزاق. فخرج كثيرٌ منهم من الفاشر، بعدما أدركوا أنهم ليسوا سوى وقود في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وهذا الانفكاك الكبير أفقد مناوي وجبرين وسيلتهم الوحيدة في هذه الحرب: المدنيين الذين استخدموهم كدروع بشرية. ولذا، سمعنا صراخهم وعويلهم، لأن الأرض بدأت تميد من تحت أقدامهم، والحقيقة باتت واضحة: مع خروج الناس من قبضتهم، بات تحرير الفاشر مسألة وقت، وفرار المرتزقة من فاشر السلطان قبل الدخول في مواجهة مع الدعم السريع هو المتوقع.