صلاح احمد
منذ اندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، ظل سؤال واحد يتردد بين السودانيين: من أشعل هذه الحرب؟ ومع مرور الوقت، ومع وضوح الوقائع والشهادات، لم تعد الإجابة محل شك: الكيزان هم من أشعلوا هذه الحرب، وهم المستفيد الأول من استمرارها.
الحرب لم تكن صدفة، ولم تكن “حرب كرامة” كما ادعوا، بل كانت خطة مدروسة ومُعدة منذ سنوات، تهدف إلى إعادة تنظيم الحركة الإسلامية للسلطة بعد أن أطاحت بهم ثورة ديسمبر المجيدة، وعرّى الاتفاق الإطاري نواياهم، وهدد بفتح ملفاتهم السوداء.
- الخوف من المحاسبة
أحد الأسباب الجوهرية التي دفعت الكيزان لإشعال الحرب، هو الخوف من المحاسبة.
الاتفاق الإطاري كان يمهد لقيام حكومة مدنية، تُفكك التمكين، وتستكمل مهام لجنة إزالة التمكين، وتعيد المال المنهوب، وتقدّم المسؤولين عن مجازر دارفور، وفض اعتصام القيادة، والفساد المالي إلى العدالة.
وهذا ما جعل الكيزان يعتبرون الحرب خيارهم الأخير للبقاء.
- تعطيل الانتقال المدني
الكيزان يعلمون جيدًا أن أي انتقال مدني حقيقي، سيفضي إلى إقصائهم نهائيًا من المشهد السياسي، لأنهم بلا قواعد شعبية حقيقية، وبلا برنامج سياسي سوى الفساد والتمكين.
وبالتالي، كان الهدف من الحرب هو إفشال الاتفاق الإطاري، وتفكيك حالة التوافق التي بدأت تتشكل بين القوى المدنية، وإعادة إنتاج مقولة “لا بديل للعسكر” التي عاشوا عليها ثلاثين عامًا.
- السيطرة على الجيش
منذ انقلاب الإنقاذ في 1989، عمل الكيزان على تحويل الجيش من مؤسسة قومية إلى مليشيا تتبع لتنظيمهم.
فصلوا آلاف الضباط الوطنيين، وأدخلوا عناصرهم من كوادر الحركة الإسلامية، وحولوا القيادة إلى أداة لتنفيذ أجنداتهم.
مع التوجه نحو “إصلاح المؤسسة العسكرية” ودمج الدعم السريع وإنهاء تعدد الجيوش، شعر الكيزان أن لحظة خروج الجيش من سيطرتهم قد اقتربت، فدفعوا نحو الحرب لإعادة الجيش إلى يدهم بالكامل.
- الإبقاء على مصالحهم الاقتصادية
الحركة الإسلامية كانت وما زالت تسيطر على جزء كبير من الاقتصاد السوداني عبر شركات أمنية وتجارية وأذرع مالية ضخمة.
أي تحول ديمقراطي سيقود إلى مراجعة هذه الشركات ووقف الفساد.
لذا أشعلوا الحرب لإبقاء موارد الدولة ومفاتيح الاقتصاد تحت قبضتهم، خاصة في ظل السيطرة على الذهب، والموانئ، وموارد الزراعة، والنقل.
- إعادة تدوير أنفسهم كـ”حماة للوطن”
بعد أن لفظهم الشعب في 2019، حاول الكيزان العودة من الباب الخلفي عبر التغلغل في الجيش والدعوة للحرب.
صوروا أنفسهم على أنهم “المدافعون عن الوطن” ضد “الخونة والعملاء”، رغم أنهم من حوّلوا السودان إلى بؤرة للحروب، والتطرف، والانقسام.
لكن الحرب في السودان ليست حربًا بين جيش ومليشيا، كما يسوّق الكيزان، بل هي حرب من أجل البقاء في السلطة، حرب بدأها تنظيم خائف من المحاسبة، ويريد أن يُحرق البلد كي لا تُفتح دفاتره القديمة.
الواجب اليوم أن يعرف كل سوداني أن هذه الحرب لن تنتهي إلا بزوال أسبابها: تفكيك تنظيم الكيزان، ومحاكمة قادته، واستعادة الدولة من أيديهم.