في شوارع الخرطوم، وتحديدًا في منطقة مايو، ترتفع أصوات الضجيج، لكنها ليست أصوات الحياة، بل ضوضاء تخفي خلفها صرخات الضحايا، أنين النساء، ونحيب الأطفال الذين يشهدون مشاهد تفوق حدود العقل والإنسانية. لم يعد القتل مجرد رصاص يطلق عن بعد، بل تحول إلى طقوس وحشية، حيث يتم اقتياد الأبرياء من بيوتهم، يُجبرون على الركوع، ثم تُرفع السواطير، تهوي على الأعناق فتتناثر الدماء، بينما يصرخ الجسد للحظاته الأخيرة قبل أن يسقط بلا روح.
في كل زقاق هناك قصة مأساوية، في كل شارع تنتشر بقع الدم التي تجففها شمس الخرطوم الحارقة. لم تكن التهم سوى ذريعة، فمجرد لون البشرة أو الملامح العرقية كافيان ليُحكم على الشخص بالموت، تُلفَّق التهم بالسرقة أو التعاون، لكن الهدف كان واضحًا: إبادة جماعية صامتة في ظل فوضى الحرب.
ذبح على الهوية.. وجثث مشوهة في الأزقة
في تقارير متواترة من شهود عيان، ذكروا أن المسلحين الهمجيين من كتائب البراء و العمل الخاص خلف ستار الجيش ، يقتحمون المنازل، ينتقون الضحايا وفقًا للون بشرتهم ولهجتهم، ثم يُجبرونهم على الخروج أمام عائلاتهم. يرى الأطفال آباءهم يُطرحون أرضًا، يُوثَّقون بالحبال، ثم تُرفع السواطير لتقطع الأعناق، لا طلقة رحمة، بل ذبح بطيء متعمد، تُترك الجثث في الشوارع كرسالة رعب لمن تبقى على قيد الحياة.
في حالات أخرى، يُقتل الضحايا بوسائل أشد فظاعة؛ تُربط أيديهم وأرجلهم ثم يُضربون بالفؤوس على رؤوسهم حتى تتشقق جماجمهم، أو يُدفعون إلى حفر الصرف الصحي بعد أن يُطعنوا مرارًا، حيث يتركون ينزفون حتى الموت.
الأمهات يصرخن.. ولا من مغيث!
إحدى الأمهات روت تفاصيل مروعة، حيث اقتحم المسلحون منزلها، أخذوا ابنها البالغ من العمر ١٧ عامًا، جرّوه إلى الخارج، وأمام عينيها، ضربوا عنقه بالساطور حتى انفصل رأسه عن جسده، فيما كان أخوه الأصغر يصرخ من الرعب. لم يكتفوا بذلك، بل تركوا رأس الفتى على الأرض وجثته مسجاة أمام الباب، كي تظل العائلة غارقة في جحيم لا ينتهي.
التعذيب قبل الموت.. إذلال حتى الرمق الأخير!
لم تقتصر الوحشية من كتائب البراء و العمل الخاص ،، التابعين للجيش ، على القتل المباشر، بل سبقته عمليات تعذيب مرعبة. بعض الضحايا تم جرهم خلف السيارات في الشوارع، آخرون تعرضوا للضرب بالحجارة حتى تحطمت عظامهم، وهناك من تم إحراقهم أحياء، تُصبّ عليهم المواد الحارقة قبل أن تُشعل النيران في أجسادهم وسط ضحكات الجلادين.
في ظل هذا الجحيم، تبقى الأسئلة معلقة: أين العالم من هذه المجازر؟ كيف تُرتكب هذه الفظائع دون أن يتحرك أحد؟ إلى متى يستمر هذا الصمت المريب؟
صوت الضحايا قد يُدفن مع أجسادهم، لكن صرخاتهم لا تزال تتردد في الأرجاء، في انتظار من يسمعها وينقذ من تبقى على قيد الحياة قبل أن تتحول الخرطوم إلى مقبرة جماعية أخرى.