عصام ابو الفاروق يكتب
في ذكرى مرور اثني عشر عامًا على تأسيس قوات الدعم السريع، نقف اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية تشكل انعطافة جوهرية في معركة الوعي والبقاء، معركة تحرير الإرادة الوطنية من قبضة الطغيان، واستعادة السودان من براثن النظام الإسلامي الفاشي، الذي جثم على صدور المقهورين لعقودٍ، واستحل خيرات البلاد لصالح نخبة متعطشة للسلطة، متواطئة مع الامبريالية العالمية في مشروعها الاستعماري الجديد.
هذه الملحمة التي نصوغها اليوم ليست إلا امتدادًا لمسيرة كفاح امتدت منذ التأسيس، حين كانت بذرتنا الأولى نواةً صغيرة لا تتجاوز المئة ألف مقاتل، لكنها حملت في جوهرها بذور التغيير، وإرادة التحرر، والإيمان العميق بأن العدل والمساواة ليسا مجرد شعارات، بل هما جوهر الوجود الإنساني ذاته. واليوم، وقد عبرنا العام الثاني عشر، باتت صفوفنا تضم أكثر من مليوني مقاتل، يتقدمون نحو مصيرهم بشجاعة الفدائيين، لا يهابون الموت، بل يترقبونه كما يترقب العاشق لقاء الحبيب، متيقنين أن الشهادة ليست فناءً، بل ولادة جديدة في ذاكرة الوطن.
ليلة الغدر في الرابع عشر من أبريل ستظل وصمة عار في جبين من باعوا الوطن، وتوهموا أن الغدر يمكن أن يكسر إرادة أصحاب القضية. لكنهم أخطأوا التقدير، فقد علمناهم أن القوة ليست في المؤامرات، بل في الصمود، ولعل أعظم دليل على ذلك تلك اللحظة الخالدة حين صرخ أحد أبطالنا “ما ني خايف”ليصبح ذلك الصوت مانيفستو ثورة، وصرخة وعي، ودليلًا على أن الخوف قد غادر قلوبنا منذ اللحظة التي حملنا فيها لواء العهد، والتزمنا بالشعار الأوحد: “اتنين بس”.
اليوم، نحن لا نخوض فقط معركة تحرير الأرض، بل نخوض معركة استعادة الإنسان السوداني من أسر الأيديولوجيا القمعية التي استحالت أداة لتكريس الاستبداد. لقد أعدنا تعريف النضال، فلم يعد مجرد مقاومة لحاكم ظالم، بل هو فعل وجودي، يعيد إنتاج معنى الحرية في سياق الواقع السوداني، حيث لم يعد الشعب جمهورًا صامتًا يترقب سقوط الطغاة، بل صار هو ذاته شريكًا في الفعل، فاعلًا في كتابة التاريخ، وفاعلًا في تقرير المصير.
وإننا إذ نواصل السير على هذا الدرب، ندرك أن الشهادة ليست احتمالًا، بل قدرٌ اختطّته دماء من سبقونا، وعهد قطعناه على أنفسنا، أن نكون مشروعًا للشهادة في سبيل هذه الأرض الطاهرة، وفاءً لمن رحلوا، وصيانةً للعهد الذي تواثقنا عليه، فلا تنازل، ولا مساومة، ولا التفاف، بل مسيرةٌ ممتدةٌ نحو الخلاص، حتى ينتصر الوطن أو نكون نحن القرابين المقدّمة على مذبح الحرية.
إنها لحظة الوعي الكامل، لحظة إعلان القطيعة النهائية مع الطغيان، لحظة التمرد الوجودي ضد الاستبداد، لحظة إثبات أن السودان لن يكون بعد اليوم أسيرًا لمعادلات الهيمنة، ولن يكون ساحةً لتجارب المشاريع الفاشية التي تتدثر بالدين لتمرير طموحاتها السلطوية. لقد أعدنا صياغة المشهد، وأعدنا تعريف المعركة، وأعدنا رسم الخرائط، فلا تراجع، ولا تردد، ولا خيار سوى الانتصار.
*والنصر صبر ساعة، وما النصر إلا صدى لصوت من قال يومًا: “ماني خايف”.*