يعكس خطاب محمد حمدان دقلو (حميد ~ تي) تحولًا جوهريًا في المشهد السياسي والعسكري السوداني، حيث يؤكد على رؤية جديدة لمستقبل السودان تتجاوز الأطر التقليدية للصراع، وتتبنى مشروعًا وطنيًا أكثر شمولًا، وضوحًا، وفاعلية. هذا الخطاب يطرح عدة رسائل أساسية يمكن قراءتها في سياق التحولات الجارية، سواء على المستوى العسكري أو السياسي أو الإقليمي.
١. تثبيت السيطرة وإعادة تشكيل المشهد العسكري
حميد ~ تي يؤكد بوضوح أن قواته لن تخرج من الخرطوم والمواقع الاستراتيجية، ما يعكس ثقة في استمرار نفوذه العسكري. الإشارة إلى فقدان الجيش لأكثر من 70% من طائراته تعكس واقعًا عسكريًا جديدًا يفرض مراجعة شاملة لبنية القوات المسلحة ومستقبلها في أي تسوية قادمة. كما أن الإشارة إلى التقدم نحو بورتسودان تعكس سعياً لإعادة التوازن العسكري والسياسي، ومنع احتكار السيطرة من أي طرف.
٢. الاستعدادات العسكرية وتحول اتجاهات الحرب
على المستوى العسكري، استخدم عبارة “لكل داء دواء”، في إشارة واضحة إلى الاستعدادات والتجهيزات العسكرية التي وصلت وستصل بطريقة احترافية، مما قد يؤدي إلى تحول جذري في اتجاهات الحرب. هذا الأمر بدأ يتضح من خلال التقارير العسكرية التي تشير إلى تغييرات استراتيجية تعزز موقف قوات الدعم السريع على الأرض، وتؤكد أن المرحلة القادمة قد تشهد تحولات ميدانية كبيرة.
٣. الانتقال نحو دولة المواطنة
نقده لاستغلال الدين في السياسة (“خدعونا باسم الشريعة وخوفونا من العلمانية”) يمثل موقفًا متقدمًا يعكس إدراكًا بأن السودان لا يمكن أن يُدار عبر أدوات الإقصاء الأيديولوجي. هذه الخطوة تتماشى مع توجهات القوى التحررية في البلاد، خصوصًا الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، وهو ما يفتح الباب أمام تحالفات جديدة تدفع نحو بناء دولة حديثة قائمة على المواطنة المتساوية، تضمن حقوق الجميع بعيدًا عن أي توظيف سياسي للدين أو الإيديولوجيا.
٤. تحالف السودان التأسيسي: أكبر تحالف سياسي عسكري اجتماعي في السودان
أبرز في خطابه أهمية تحالف السودان التأسيسي، واصفًا إياه بأنه أكبر تحالف سياسي، عسكري، واجتماعي في البلاد، حيث يجمع كافة السودانيين تحت مظلة واحدة من أجل قضاياهم العادلة. هذه الإشارة تعكس المحاولات القوية المتبعة في توحيد الجهود الوطنية في مواجهة تحديات المرحلة، بعيدًا عن الانقسامات التي أدت إلى تعميق الأزمة السودانية.
٥. رسائل إقليمية ودولية
تأكيده على رفض الإرهاب والسعي نحو سودان موحد يعكس محاولة إعادة تقديم الدعم السريع كجهة تسعى لاكتساب شرعية دولية، في مواجهة الدعاية المضادة التي تحاول ربطه بالفوضى والتطرف. كما أن الإشادة بدور كينيا في استضافة تحالف السودان التأسيسي تعكس وعيًا بأهمية بناء تحالفات إقليمية قوية تدعم مشروع الانتقال السياسي الجديد.
٦. التأسيس لمرحلة جديدة
الخطاب يعكس تصورًا واضحًا لضرورة إعادة هيكلة الدولة وفق أسس جديدة، تتجاوز إخفاقات الماضي، وتؤسس لنظام حكم يستوعب جميع القوى الوطنية الفاعلة. إن تبني رؤية السودان الجديد وتحالف السودان التأسيسي يمثل خطوة في اتجاه تثبيت مشروع سياسي جديد يتطلب دعمًا داخليًا وإقليميًا لضمان نجاحه واستمراريته.
يمثل خطابه نقطة تحول في المشهد السوداني، إذ يعكس توجهًا نحو إعادة تعريف العلاقة بين القوى السياسية والمجتمعية، وترسيخ أسس جديدة للحكم قائمة على المواطنة والعدالة. في ظل التحديات الراهنة، يبقى السؤال: هل سيتمكن هذا المشروع من الصمود وسط تعقيدات المشهد السوداني، أم أن قوى الماضي ستنجح في عرقلة مسار التغيير؟
إسماعيل هجانة
١٥ مارس ٢٠٢٥
جبل نُكر – جبال النوبة