منعم سليمان عطرون
*صراع ضباط البازنقر الجلابي شايقية وجعلية؛ وصناعة قادة عسكريين وهمين.
*ستدرك بعد ذا لماذا يستعير البازنقر الجلابي مليشيات ليحاربوا لهم معاركهم.
- ولابد أن لا نعمم، فيوجد في المجتمعات صالحون، ولابد أن الإنسان بتغيير ويتقدم حين يواجه الحقيقة المجردة.
بعد إعدم اللواء الكدرو ورفاقه ال27 عقب محاولتهم الانقلابية الفاشلة في ابريل عام 1990إتبعت السلطة السياسية بالدولة حينها سلسلة إجراءات تعسفية هدفت إبعاد وتجريد عدد من الضباط من خدمتهم. كانت أوليقارشية الجعلية هم متنفذون في سلطة الدولة أفندية وبازنقر؛ فيما كان الضحايا من أوليقارشية الشايقية الذين فضلوا مستقبلا الفاعلية عبر حركة المعارضة.
كان عدد الضباط من قومية الشايقية في مجموعة الكدرو 23 ضابط من أصل 28 عضوية الإنقلاب. تعرضت مجموعة الكدروا لخيانة من أفندية وضباط من الشايقية نفسهم فضلوا العمل لصالح دفع الدولة الى اليمين الاسلامي؛ فما كان هدف جماعة الكدرو هو جر الدولة الى اليسار الاشتراكي. و كلا الإتجاهان عروبي ضد الافريقية؛ ويتحالف ضباط البازنقر مع بعض بطون الأحزاب الجلابية الست.
على راس من سربوا المعلومات عن إنقلاب الكدرو كما اسفلنا؛ طوعا أو كرها كان الجنرال عبدالرحمن سر الختم؛ محمد مصطفى الدابي؛ ياسر العطا؛ و يرجح أن عبدالفتاح عبدالرحمن برهان كان ضمن المجموعة التي سربت معلومات الإنقلاب الى إدارة الدولة اليمينية. وكان الجنرال البشير ابراهيم شمس الدين يتمتعان بنفوذ أعلى في سلطة الإنقلاب اليمين الذي لقب بالإنقاذ وهما يحسبان لأوليقارشية الجعلية. ونظير خدمات الضباط الأربعة أعلاه فقد تم إستثناءهم من العزل؛ وترفيع إثنين منهم إلى مناصب عسكرية رفيعة؛ (تابع مقالنا 28 ضابط في 28 رمضان وتحالف العروبيين والإسلاميين). كان ياسر العطا قد إحتمي بإرث عمه هاشم العطا صاحب الإنقلاب الفاشل على الديكتاتور النميري عام 1971 وقبل بالعمل كضابط منتدب لتنظيم مليشيات قبيلة المنداري في بلدة تركاكا؛ فيما عاش عبد الفتاح برهان تحت عباءة خاله الجنرال الدابي وخال والدته الجنرال إبراهيم عبود.
وغدة الإعدامات والعزل المكثف؛ فقد انخفضت نسبة الضباط أوليقارشية الشاقية الى 23% في مجلس ضباط بازنقر لجيش الدولة. أي نحو 1610 ضابط من أصل 7 ألف ضابط هو قوام ضباط جيش الدولة من رتبة ملازم ثاني إلى رتبة فريق أول وقتها. ويبلغ عدد أفراد جيش الدولة في السودان من 120 ألف جندي وضابط أي أربعة وعشرون فرقة عسكرية؛ 8 فيالق حربية.
بالتقريب يقدر عدد ضباط الصف والجنود المنحدرون من عرقية الشابقية في كل الوحدات والمناطق العسكرية في البلاد بين بنحو200 الى ثلاث ألف؛ أي بين اللواء واللوائين. و لقد إحتفظ الضباط من قومية الجعلية على أعلي نسبة عددية في مجلس الضباط اذ بلغ 37% ؛ أي اقل بقليل من 2800؛ ألفان وثمانمائة ضابط جعلي. فيما يقدرعدد الأفراد من ضباط صف وجنود الجعلية بنحو 5 ألف عسكري. ويعمل الافراد من الشايقية؛ الجعلية؛ الدناقلة والحلفاويين في ادارة الاستخبارات العسكرية؛ السجن الحربي؛ وقيادة حراسة شرف للجترالات؛ والادارات بالقيادة العامة؛ قيادة المناطق والوحدات. وفي ادارة الاستخبارات فهم يتجسسون على ضباط وضباط صف وجنود من القبائل الاخرى.
وهكذا يتشكل لنا جيش الدولة الذي ينطبق عليه لقب أبضب أغبش رأسه أحمر؛ أو حمار وحش برأس ثعلب.
وإنها مفارقة كبيرة إذا قارنا مثلا الضباط من قومية الفور والتعايشة التي فرضت عليهما تمييز حصري في منع أفراد منهما من الإلتحاق بالضباط خلال عقود دولة الجلابي؛ أن تجد بالتقدير نحو لوائيين من الجنود من قبيلة واحدة لكن عدد أفراد الضباط من القبيلة لا يتجاوز عشر ضابط من نفس القبيلة. وأن الضباط يتم اختيارهم بعناية؛ أما ان يكونوا من زنوج المدن؛ أو من قرى الفلاحيين في الوسط والشرق أو أنهم تزوجوا نساء من الجلابة. على مثال الجنرال اسحاق عمر رئيس أركان الجيش أثناء إنقلاب الكدرو؛ فهو من فور ديم بكر في القضارف ويرجح منعدم الصلة بمركزية مجتمعات الفور في جبل مرة ؛ والجنرال يونس محمود؛ من قرية الرماش في ريفة سنجة؛ وهو من قومية التعايشة ولا يمكن أن يكون له تواصل بمعقل قبيلة التعايشة في رهيد البردي.
في نهاية معارك خريف (الأمطار الغزيرة) أو (الميل أربعين) عام 1998 في المنطقة الإستوائية؛ سطعت شهرة ملفتة للريبة حول بعض الضباط الجلابة؛ تم ترفيع مكانة المقدم محمد إبراهيم؛ (ود إبراهيم ) والملازم أول جمال حمزة (جمال الشهيد). وبعد إنسحابنا من مربو حملت انا مع جمال اللقب نفسه (عبدالمنعم الشهيد). كان يقود كتيبنا ضابط النقيب حاتم وهو جعلي ويقود جمال حمزة وحدة الاستخبارات العسكرية في الكتيبة. التشكيلة القيادية في الوحدات المتقدمة تتم بعناية بحسب تشيكلات الباريكس في استعمار الاقاليم فيما لم يكن بين الافراد من الجعلية والشايقية بين الجنود سوي اثنين بعكس ما هو في كتيبة المجاهدين.
هل ود ابراهيم كان قائدا مغوارا! الحقيقة أن ود إبراهيم بدون حياء قام بالاستيلاء على الإرث العسكري القتالي لرفيقه المقدم القروي آدم تيرايو مناي تقرو وهو الذي خطط وقاد عملية الميل أربعين فيما كان نائبه ود إبراهيم في الصندوق الإداري لم يعرف النتيجة الا بعد يوم من مقتل تيرايو. بينما جمال حمزة إستخدم في عمليات الإستطلاع بالميل 39 بشرق الإستوائية سرايا جيش الرب الأوغندية؛ في عمليات عسكرية أقل ما توصف بالوحشية وساحقة؛ كان يقتل فيها أطفال الجنود في جيش الرب والمخطوفون من قرى شمال أوغندا وإجبارهم على الجندية. وأغلب إنجاز جيش السودان في جمع المعلومات والهجوم والتقدم على الردمية ضد الجيش الشعبي؛ و في أحراش الإستوائية كانت تحسب لمليشيات جيش الرب؛ أو القوريلا كما هو إسم شهرتهم؛ وخاصة للأطفال المجندين قسريا؛ ويجبرون على القتال أو تقطع أذانهام وأنوفهم. ضباط الجيش السوداني شركاء في تلك الجرائم في عمليات الخطف وإستخدام الاطفال في الحرب. جمال الشهيد لم يكن وحده من إستعمل الأطفال في العمليات؛ فتلك كانت سياسية وحدة الإستخبارات العسكرية التي يقودها المقدم عمر عبدالمطلب؛ مدير استخبارات المنطقة العسكرية؛ والمدير المباشر للبيت الأبيض في جوبا وعمليات التعذيب فيها. وقد عرفت قصة القوريلات باستخدامهم علي يد النقيب كمال مدير استخبارات منطقة بازي؛ و الملازم أول أحمد بابكر من بلدة ألتي. كان جمال الشهيد يحب أن يسمع مني قصة دفعته أحمد بابكر ود ألتي.
حالة جمال؛ وكمال وتوظيف (القوريلات) و ود إبراهيم وسرقة إرث رفيقه تيراو تكرو؛ تكرر العدد من المشاهد لضباط كان بعضهم؛ يهربون من المعارك العسكرية؛ بعضهم لم يقودوا معارك عسكرية بتخطيطهم؛ وبعضهم يستخدم الجنود ضحايا؛ ولكن بطريقة أو بأخرى تخلق لهم مجدا مزيفا وشهرة ترددها الإعلام الجلابي في الخرطوم.
في نهاية ذلك العام تم سحب جمال الشهيد ليعود إلى الخرطوم ويتولى قيادة قوة موكولة بحراسة على عثمان محمد طه؛ الذي فجأة صار نائبا لرئيس الدولة. وكانت هناك تصورات وسط أوليقارشية الشايقية برؤية ونبؤوة وصول على طه الشايقي إلى رئاسة الجمهورية يوما ما؛ المساعي تتوج تبديل كرسي الرئاسة بين أوليقارشية الجعلية والشايقية. والتبديل والتبادل كان ضمن أجندة حوار الأوليقارشية الذي لا يظهر للاعلام الا صورة رومانتيكية سياسية؛ اما دينية أو ووطنية. ولكن هذا الحوار كان أحيانا يصل الى مرحلة الإتهامات بالاغتيالات السياسية والجسدية؛ في مثال مقتل مجذوب الخليفة وشقيقه في جونيه 2007 وهما من أوليقارشية الجعلية. إلا أن غريزة كراهية الأخر المشتركة والخوف من خروج مركزية سطلة الدولة من أيديهم كانت توحد أوليقارشية القبيلتين.
ضمن أشهر ما يذكر في سنوات حرب الجنوب هروب العميد محمود قلندرفي معركة خور تمساحة في بحر الغزل. فهو لم يقاتل ويريد ان يحسب النصر له؛ وهكذا أمر سائق المدرعة الذي تقوقع الرجل بداخلها؛ بالتراجع؛ فيما كانت كتيبته تشتبك دخل كمين مع عدوهم من الجانب الاخر. والكتيبة ؛ 242؛ والكتيبة 110 غربية؛ وقف المساعد حميدان بريمة شابو صول الكتيبة أمام الدبابة وقال للسائق بطلها؛ واشار بفأسه الحديدي مهددا لقلندر بالنزول والتقدم؛ وتحاجج قلندر بانه يري ان القوات تتراجع الا الصول قال بامر حسام وحازم وصارم؛ (أنزل ود العزبة؛ الدبابة دي ما بطن أمك؛ تخلي الرجال في الدواس وات جاري معقب؛ والله كما طلعت إلإ فراري دا أبا راسك). وقصة هروب قلندر بالدبابة ووقوف الصول بريمة شابو أمامه انتشرت في وسط الكتائبة في المناطق العسكرية الثلاثة كلها؛ والذين أغلبهم كانوا من الغربية؛ والوسطى دارفور وكردفان. يتسلي بها الجنود سخرية وازدراء بقدر سخريتهم يوم تمردت كتائب الغربية عام 1957 على ضباط الجلابة الذين وصفوهم؛ بذوي الكروش والمؤخرات الكبيرة والجبناء؛ و عرفت بحركة سوني. والغريب فإن قلندر تم نقله ورفع عسكرية.
وقد ذكرنا في مقال سابق أن المقدم ياسر عبد الرحمن العطا كان بارعا وماهرا في إيجاد طريق يغادر فيها أرض المعركة كلما بدا صوت الجبخانة؛ ولو حافيا؛ ويترك جنوده ورائه قتلى وجرى. ويمارس ياسر العطا طقوس غريبة في هروبه من اي معركة إذ يقوم بإغلاق جهاز الإتصال مع قيادته وزملائه. وهذا المشهد الساخر المثير للغضب لم يتكرر معنا يوم تركنا ياسر في الميل 38 شرق الإستوائية ولم نراه الا اليوم الثاني مع ابراهيم شمس الدين (جعلي) بل في ميل 39 بل كررها كثيرا في الاستوائية؛ وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق. واجزم لا يعرف عدد الجنود الذين ماتوا بسبب طقوسه غير الجولية تلك.
يرجح أن صلاح عبد الله المعروف بصلاح قوش والذي ترفع عسكريا دون أن يدخل معركة عسكرية واحدة؛ أو يقود جماعة من عشر أفراد هو وراء منح بعض الضباط وخاصة من عرقية الشاقية صناعة في إعلام دولة الجلابي. وبسيطرة قوش على الأجهزة الإعلامية يمكنه أن يفعل كل شئ؛ يخلق أبطال من ورق ويقتل أبطال حقيقيين.
صناعة أسطورة لقائد لم يكن يوما قائدا؛ ومجرد من مهنية عسكرية؛ وتنقصه الكفاءة ويفتقر إلى الشجاعة ؛ ولا يملك أبسط مقومات القائد من الذكاء وحسن التدبير والتخطيط؛ ولا يتمتع من صفات الرجال ذاتها أحيانا حتى في الهيئة الخارجية؛لا يختصر ذلك على إبن العطا فحسب؛ بل ينطبق ذلك حرفيا على رجل أطلقوا عليه (اللواء الركن الدكتور) كمال عبدالمعروف. في ابريل 2012 وصفه إعلام الأوليقارشية بأنه قاد (معركة تحرير بلدة هجليج من غزو جيش دولة جنوب السودان). علما ان قوات الحركة الشعبية إنسحبت قبل 73 ساعة من المنطقة ووفق إتفاق دولي تجنب صدام الدولتين. وعبدالمعروف كان في الخرطوم. وصل عبد المعروف الى رتبة لواء وهو لم يشهد له ان قاد فصيلة عسكرية في معركة ويرجح أنه لم يتدرب صفا وإنتباه. لكن اوليقارشية الجلابي بارعون في صناعة وهم ورتب عسكرية؛ وبارعون في في إلتقاط أطفال من الفاقد التربوي والتوعوي ليصنعوا منهم جنودا؛ وتدريبهم بطريقة تحولهم الى مجرد أدوات لتنفيذ أوامرهم؛ ويقتلونهم بطريقة وحشية في المعارك ويترفع البازنقر في الرتب العسكرية.
كانت المحاولة الإنقلابية التي قادها الجنرال الكدرو حلقة في مسلسل صراعات داخلية بين أوليقارشية القبيلتين الجعلية والشايقية؛و( الشريكين في إدراة دولة الأبرتهايد) حول إمتلاك مناصب المؤسسات؛ وإدرات الدولة وإمتلاك التنظيمات الرديفة لها. ضمن مرحلة حرب المدن؛ الجنرال عبدالفتاح برهان؛ وياسر العطا وصلاح قوش وكمال عبدالمعروف يعملون اليوم في حلقة جديدة في المسلسل نفسه. يضعون على عاتقهم مهمة محاولة تثبيت الإعتراف بشرعية أوليقارشية الجلابة على ملكية الدولة على السكان؛ إستنساخ الأبرتهايد نفسه؛ وهو ما بظنهم أن يحسب ذلك إنجازا لأوليقارشية الشايقية وتمنحهم فرصة للحكم بالبلاد.
أوليقارشية الشايقية الأفندية والبازنقر معا؛ تعتد بفخر بتاريخ ابنائهم الجنرال عبود أنه حكم البلاد؛ والجنرال سوار الذهب انه بلغ رتبة مشير وحكم البلاد ايضا. لكن لهم فخر خاص بالجنرال حسن بشير نصر لكونه عنصري متعجرف. وقد روي عن حسن بشير نصر أنه قال للديكتاتور النميري أنه يمكنه أن ” يؤمن سلاح كيماوي من صدام حسين؛ يمكنه من مسح جنوب السودان؛ و لا يترك فيه بشرلا حجر؛ لا شجر؛ أما الشجر فينبت من جديد” ورد النميري بأنه يمكنه “قتل العبيد شوية شوية”.علما لا احد مما سبق ذكرهم قاد معركة عسكرية في حيات؛ لكنهم ترفعوا عسكريا وبكل غرور.
وحسن نصر هذا مثل الجنرال عبود كان ضمن ضباط أوليقارشية الجلابي الذين ألحقوا بوحدات مرتزقة الاستعمار برتبة ضباط ليعملوا في مهنة مترجمين؛ ويسهلون التواصل بين الضباط الإنجليز وجنودهم من مرتزقة المستعمرات والذين أغلبيتهم من القبائل الريفية في الغرب؛ الشرق والجنوب وغير متعلمين. وقد خدم بشير نصر في معارك الاستعمار الانجليزي في كرن في إريتريا وهي معارك لخدمة مصالح الاستعمار؛ لكن خدمات فلاقنة الاستعمار تكون دائما مصدر فخر وإعتزاز بدل أن تكون سيمة عار؛ المفاهيم والقيم في دولة الأبرتهايد الجلابي معكوسة المعاني. ويذكر أنه كان ضمن قوة مرتزقة المستعمرات جنود من عرقية الشايقية كما في الصورة المرفقة يعملون في خدمة الضباط والجنود الإنجليز ولم يكونوا محاربين بالطبع؛ والانجليز المستعمرون يا لهم من أولاد حرام؛ فيسند لهذا النوع من الجنود نوعا من الخدمات تخبرك بها وقفتهم؛ و التي هي بالتاكيد ليست وقفة عسكرية.
بلغ نصيب الضباط المنحدرين من عرقيات نوبة البربر ( الدناقلة؛ المحس؛ السكوت؛ وحلفا) في مجلس ضباط الدولة 18% وأما عرب الجزيرة فيحصلون علي ما نسبته 8% ؛ فيما يحصل بقية سكان المجتمعات الأخرى على 13% ؛ يمنح أغلب حصص الضباط إلى السكان المنحدرون من أقليات عرقية تستطون مدن الأقاليم على حساب مجتمعات سكان الاقاليم؛ والى ذوي الأصول المصرية في مدن العاصة الثلاثة؛ مدني وبورتسودان. يسمون البعض بالموالي لانهم أضمن بالولاء والطاعة لأوليقارشية الجلابي.
إذا وصلت قراة المقال الى هنا ستدرك سبب إستعارة ضباط البازنقر الجلابي لمليشيات من الريف قرويين وبدو للقتال لهم في معاركهم التي يعجزنون خوضها بإنفسهم. إنهم يستعيرون من الريف الغربي الرجالة الغبشاء؛ المدغمة في الغباء الريفي إذ إنه لا يوجد أي مبرر لخوض جيش دولة حروبات داخلية وضرب المجتمعات ببعضهم بعضا.
إنه ليس ديمقراطيا أن توزع مؤسسات الدولة بين السكان بحسب إنتمائهم القبلي؛ الجهوي أو الديني؛ وليس عدلا أن ياخذ ما نسبتهم 4% من السكان و هو عدد مجتمعات قبائل الجلابة الشماليين في السودان ما نصبته 88% من مؤسسات الدولة العشرة؛ على راسها مجلس ضباط الجيش؛ فيما يتحكمون على سياسية محاصصة قبلية فلقنية تفرض على 46 مليون نسمة من السكان على أن يتقاسموا ما نسبته 12% من مؤسسات الدولة. وبهذا نسميها دولة الجلابي والتي لابد من العمل على اكمال عملية تغييرها الى دولة سودانية؛ ديمقراطية يحكمها الدستور والقانون وتعامل السكان بانسانيتهم ومواطنتهم.
لابد أن الإنسان لا يعمم، ولابد من وجود نساء ورجال منصفون، وضباط شرفاء وحقانيون في كل عرقية، ولاسيما عرقية الشايقية والجعلية كغيرها من مجتمعات السودان. ولابد أن الإنسان يتغيير ويتطور وينتقد أخطاءه بنفسه وذلك حين يواجه الحقيقة المجردة وسيحي ضميره فيؤنبه. ولهذا فان الهدف من هذا المقال هو بناء وعي أخلاقي ووطني، وتوجيه البصائر والضمائر الي عالم المساواة والاحترام، بشكل يؤهلنا معا الي إنهاء سياسية الإبرتهايد والفلقنزم لصالح دولة ونظام مدستر.