العرب الدولية: عبد المنعم همت
المشهد العام للحركة الإسلامية السودانية يوحي بأنها تسير نحو الانتحار السياسي. فشلها في إعادة تنظيم نفسها كقوة سياسية، واعتمادها على القيادات الأمنية بدلًا من الشخصيات السياسية، يجعلانها أكثر عزلة.
سرية المؤتمر:
جاء انعقاد المؤتمر، الذي أحيط بسرية كاملة ووسط أجواء من التوجس والترقب، حيث بات واضحًا أن الحركة الإسلامية لم تعد تمتلك القدرة على إدارة نفسها ككيان سياسي قوي، بل أصبحت أقرب إلى شبكة من المصالح العائلية والأمنية.
حضور هزيل:
حضور المؤتمر لم يكن بحجم التوقعات، إذ بلغ العدد الإجمالي 412 مشاركًا، بينهم 122 امرأة، في إشارة إلى أن التنظيم لم يعد مقتصرًا على القياديين الفاعلين فقط، بل بات يضم عائلاتهم أيضًا. كما حضر 30 طالبًا، وهو عدد ضئيل مقارنة بما كان عليه التنظيم في الماضي، عندما كان الطلاب يمثلون قاعدة تجنيدية كبيرة للحركة الإسلامية في السودان.
اثرياء نهبو ثروات البلاد:
حالة الانكماش هذه لم تكن مجرد تحول هيكلي، بل جاءت نتيجة طبيعية لفقدان الحركة الإسلامية سيطرتها على السلطة، واضطرار العديد من قياداتها إلى الفرار خارج السودان. معظم الذين اجتمعوا في المؤتمر هم من الأثرياء الذين نهبوا ثروات البلاد خلال فترة حكمهم، ما جعلهم غير قادرين على العودة إلى السودان، خشية الملاحقة القانونية. أصبح التنظيم اليوم مكونًا من رجال أعمال، وقادة أمنيين سابقين، وعائلاتهم، دون وجود تيارات فكرية أو سياسية قادرة على صياغة رؤية جديدة لمستقبل الحركة.
انفجار متوقع:
الحركة الإسلامية أصبحت اليوم مجرد تجمع يقتات على الماضي، دون أي رؤية للمستقبل. الانقسامات الحادة داخلها، والخلافات بين أجنحتها، تؤكد أن مصيرها بات معلقًا بين التلاشي والانفجار الداخلي
منصب الأمين بين الشايقي وعطا:
الصراع الأبرز داخل المؤتمر كان حول منصب الأمين العام للحركة الإسلامية، حيث تنافس عليه محمد عطا وأحمد الشايقي. محمد عطا، المدير الأسبق لجهاز الأمن والمخابرات، يمثل الجناح الأمني داخل الحركة، وهو المنافس التقليدي لصلاح قوش. أما أحمد الشايقي، فيمثل التيار المالي داخل التنظيم، ويمتلك نفوذًا اقتصاديًا واسعًا، بفضل ارتباطه بعلي كرتي، أحد أبرز قيادات الحركة الإسلامية.
انتصار الجناح الأمني:
اختيار محمد عطا لهذا المنصب يعكس انتصار الجناح الأمني، المدعوم من أحمد هارون، الذي يسعى لإضعاف تيار إبراهيم محمود. لم يمر هذا القرار بسلاسة، إذ شهد المؤتمر اعتراضات من أنصار أحمد الشايقي، الذين رأوا أن الحركة بحاجة إلى قيادة ذات خبرة سياسية واقتصادية، وليس إلى شخصية أمنية بحتة.
مواجهة مع المجتمع الدولي:
تعيين محمد عطا على رأس الحركة الإسلامية يضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، خاصة أن الولايات المتحدة صنفته ضمن قوائم العقوبات، كونه مسؤولًا عن سياسات تهدد الأمن والاستقرار في السودان. هذا الاختيار يعيد سيناريو تعيين أحمد هارون وعلي كرتي، اللذين يواجهان عقوبات دولية أيضًا. إصرار الحركة الإسلامية على تقديم شخصيات ذات خلفيات أمنية يعكس فشلًا في إعادة بناء نفسها ككيان سياسي، حيث أصبح التنظيم أقرب إلى شبكة من المصالح المتنافسة، وليس إلى حركة ذات مشروع فكري متماسك.
انتحار سياسي:
المشهد العام للحركة الإسلامية السودانية اليوم يوحي بأنها تسير نحو الانتحار السياسي. فشلها في إعادة تنظيم نفسها كقوة سياسية، واعتمادها على القيادات الأمنية بدلًا من الشخصيات السياسية، يجعلانها أكثر عزلة، سواء داخل السودان أو على المستوى الدولي. استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى المزيد من التصدع والانهيار، وقد يكون بداية النهاية لتنظيم لم يعد قادرًا على التكيف مع المتغيرات السياسية الجديدة في السودان.