على مدار عقود من النضال المستمر في طريق الثورة السودانية، الهادفة إلى التحرر والانعتاق وتحرير البلاد من التخلف وتحقيق المساواة بين السودانيين، قدّم كثيرون أرواحهم في الهبّات والانتفاضات المدنية، أو في العمل المسلح. منذ نضال “أنانيا ون” إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، مرورًا بالثورات المسلحة التي انطلقت من دارفور والشرق، كانت المقاومة تواجه دائمًا قوى الشر الممسكة بزمام السلطة، التي أعاقت بلادنا عن النهوض والتقدم.
اليوم، أنعى فارسًا ومناضلًا ثوريًا، بطلًا كان مسكونًا بحلم الحرية، وقاتل بشرف في معارك التحرير والمساواة منذ نعومة أظفاره. إنه القائد جلحة، الذي أذهل السودانيين بخطاباته التي قد يراها البعض مادةً للضحك، لكنها كانت انعكاسًا صادقًا لمظالم حقيقية عاناها الشعب السوداني، الذي نُهبت مقدراته على يد سلطة لا تعترف إلا بمن يحمل السلاح.
جلحة انضم إلى الكفاح المسلح في بدايات شبابه، وقاتل في صفوف حركة العدل والمساواة. كان ضمن كوكبة من أبناء كردفان، مثل ود البلبل ومحمد بحر حمدين واخرين ، ممن بدأوا في حركة “شهامة”. لم يساوم أو يهادن، بل خرج لتأسيس حركة “شجعان كردفان”، ودخل السجن محكومًا عليه بالإعدام، ثم خرج منه ليواصل نضاله مع رفاقه في الصحاري الإفريقية، حالمًا بتحرير البلاد وتخليصها من براثن الاستبداد.
لم يكن جلحة ثائرًا عاديًا؛ بل صوتًا مسموعًا للصديق والعدو، وخطاباته بلغة “عيال نجلا، كيعان الوادي” كانت محببة ومفهومة. أما أمثاله، فهم أكبر من أن تُختصر سيرتهم في كلمات نعي.
لقد واجه جلحة محاولات استقطاب بائسة لتقسيم مجتمع العطاوة إلى “مسيرية” و ” رزيقات” بما يتماشى مع استراتيجية جيش الإسلاميين الذي يسعى دائمًا لتفتيت المجتمعات، وحتى الأسر، ليجعلوا الإخوة يوجهون أسلحتهم إلى صدور بعضهم البعض، خدمة لتجار الدين، ولصوص البنوك، وسمسارة العدس والزيت.
جلحة كان أكبر من التصنيفات القبلية التي يُروج لها سدنة الحركة الإسلامية وإعلامها. وإذا كانت قيادة الجيش قد أسست الدعم السريع في عام 2013 لاستخدام مجتمعات العطاوة في حروبها، فإن جلحة، وكل الشباب الثوري الذي انخرط في هذه المعركة، أرفع من هذه التصنيفات، وتاريخهم النضالي تجاوز القبلية والانتماءات الضيقة.
جلحة، ومن معك من الشهداء، قد صنعتم تاريخًا وتركتم تجربةً فريدة. ولن يتفتت مجتمع العطاوة، ولن ينكسر المجتمع السوداني برحيلك، لأن المعركة مع قوى الظلام أعمق من أن تُحسم بعقلية الجيوش النظامية واستخباراتها. هذه القوى التي حاربتها ببسالة لن تنتصر مهما طالت المعركة، ، وخيول الثوار مسرجة في ميدان النزال ، والقادم يؤسس لبلاد وشعب يستحق الحياة لا القتل ، ولك في عليائك المجد والسلام.
– توماس سنكارا.