🖊️ علي أحمد
لا يوجد خطأ في عنوان المقال، كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل هو عنوان دقيق وصحيح مائة بالمائة. ورغم مأساويته، فإنه يُجسّد بصدق الحالة التي وصلت إليها سُلطة الأمر الواقع في بورتسودان، من تضعضع وضعف ووهن وتحلُّل وموت سريري. كما يكشف العنوان بوضوح مدى تغلغل وسيطرة المليشيات الإسلاموية الإرهابية على مفاصل الدولة، بل وتحويل نفسها إلى دولة قائمة ذاتها !
وفقاً للخبر الوارد تحت عنوان: “توقيع اتفاقية تعاون صحي بين وزارة الصحة بولاية الخرطوم ولواء البراء بن مالك”:
شهدت ولاية الخرطوم توقيع اتفاقية تعاون مشترك في المجال الصحي بين وزارة الصحة والإدارة الصحية للإسناد المدني بمليشيا البراء بن مالك. تهدف الاتفاقية – كما جاء بالخبر- إلى تعزيز التعاون بين الطرفين ووضع إطار عمل لتنفيذ الأنشطة والمشاريع الصحية بشكل فعّال، بما يسهم في تحسين الخدمات الصحية وتوسيع نطاقها لتشمل جميع فئات المجتمع. وتضمنت الاتفاقية عدة محاور، منها: تنفيذ برامج صحية مشتركة، وتأمين الموارد البشرية اللازمة لدعم القطاع الصحي، وتسهيل وصول المواطنين إلى الخدمات الصحية، ووضع آلية لقياس نتائجها على المجتمع.
وقّع الاتفاقية عن وزارة الصحة د. فتح الرحمن محمد الأمين، المدير العام للوزارة، وعن مليشيا البراء د. إدريس عبد الله صالح، استشاري الأشعة التحليلية والتداخلية ومدير الإدارة الصحية للإسناد المدني. وأكد الجانبان خلال مراسم التوقيع أهمية التعاون المشترك لتحقيق الأهداف الصحية وتقديم خدمات نوعية تعزز صحة وسلامة المجتمع. انتهى الخبر.
وجود مليشيا حزبية إرهابية مثل (البراء) هو بحد ذاته كارثة كبرى ووصمة عار على جبين مصطلح (دولة). والأسوأ من ذلك أن تتحول إلى دولة موازية داخل السودان، بحيث توقع الاتفاقيات ومذكرات التعاون والبروتوكولات وتبرم الصفقات مع الدول الخارجية ، وربما تصل إلى فتح سفارات معها مستقبلاً، كما تفعل الدول المستقلة.
ما جاء في هذا الخبر دليل صارخ على تسرب السيطرة من بين أصابع البرهان المرتعشة. وهو أيضاً دليل على هشاشة حجته في شن الحرب على قوات الدعم السريع باعتبارها مليشيا خارجة عن القانون، في حين أن الأخيرة – على الأقل – كانت قائمة بقانون وتشريع وإجازة، من (برلمان) نظام الكيزان البائد نفسه. أما مليشيا البراء فهي بنت سفاح، لا أب لها ولا أم؛ إنها وليدة التحالف غير المقدس بين البرهان وكرتي وغيرهما من قادة النظام البائد.
ومليشيا البراء ليست وحدها، فهناك مليشيا أبو عاقلة كيكل المجرمة، ومليشيات شمال وشرق السودان، وعصابات الارتزاق المسلحة المعروفة بـ(القوات المشتركة)، وكلها جزء من الفوضى التي أُنتجت على قارعة حروب السلطة.
ما يمنح هذه المليشيات الحق في توقيع اتفاقياتها وتنظيم أعمالها بعيداً عن إطار الدولة هو انهيار مفهوم الدولة نفسها. وبعض هذه المليشيات، وعلى رأسها البراء، لها بالفعل علاقات دولية وإقليمية خارج نطاق الدولة، مع إيران وتركيا وقطر، بينما تتمتع مليشيات أخرى ذات طابع جهوي بعلاقات مباشرة مع دول الجوار في الشمال والشرق، حيث تلقت بعضها تدريبات عسكرية في إرتريا مثلاً.
لقد أدت سياسات قيادة الجيش – الذي كان ولا يزال أصل كل أزمات السودان – إلى وضع البلاد ضمن مصاف الدول الفاشلة والمفككة. والجيش بصفته المنتج الحصري للمليشيات ومصدر تسليحها الأساسي، جعل السودان ساحة تعج بأمراء حرب يعبثون بمقدرات الدولة ويسفكون الدماء ويفسدون في الأرض دون رادع.
لقد داس عبد الفتاح البرهان بحذائه العسكري الثقيل، على كرامة البلاد ومسح بسيادتها الأرض. ولا عجب إن شهدنا قريباً مراسم لتبادل السفراء بين مليشيا البراء في الخرطوم وقيادة الجيش “الشقيقة” في بورتسودان. عندها لن يصبح أي أحد على وطن، فقد أصبحنا جميعاً بالفعل على إقطاعيات مبعثرة تحكمها مليشيات وأمراء حرب.
على البرهان اللعنة مجدداً ودائماً