علي أحمد
وقف المجرم قاطع الطريق العميل “أبوعاقلة كيكل” لأول مرة بجانب مُخدِّمه ومُشغِّله قائد الجيش عبد الفتاح البرهان كتفاً بكتف، وقامة بقامة، ورتبة برتبة. فاندفع البرهان بحماس الخطابة حتى زلَّ لسانه، فكشف المستور وأدلى بأخطر تصريح له منذ توليه منصبه الحالي بفعل الأقدار وسوء التقديرات. بذلك يتحمل الرجلان كامل المسؤولية الجنائية والأخلاقية عما حدث من انتهاكات فظيعة في ولاية الجزيرة منذ استدراج قوات الدعم السريع إليها وحتى الآن. فما الذي قاله البرهان؟
بالأمس، وفي غمرة الحماس، قال البرهان بعد أن حيّا أخيه “القائد كيكل” وفق تعبيره، إنه بدأ معه “الكلام” قبل الحرب، خصوصاً حول موضوع دخوله قوات الدعم السريع. وأكد البرهان أنه هو من أوجد “كيكل” وأسَّس له مليشيا من العدم مطلع عام 2022 وأطلق عليها “درع السودان”، التي طالبت في أول بيان لها، في فبراير 2023، بإلغاء اتفاقية جوبا للسلام الموقعة بين الحكومة وعدد من الحركات المسلحة.
فما “الكلام” الذي بدأه البرهان مع كيكل منذ ذلك الوقت، أي قبل اندلاع الحرب بأكثر من عام؟
نعود إلى كلمة البرهان التي حيّا فيها أخاه “كيكل”، ونستنتج أنه كان يُعد لهذه اللحظة منذ عام على الأقل قبل اندلاع الحرب، إن لم يكن أكثر. ولذلك استدعى قاطع الطريق هذا من سهل البطانة وشرق السودان، بخطة مسبقة وزرعه داخل قوات الدعم السريع ليكون أداة عند الحاجة أثناء إشعال الحرب. وهكذا لم يتأخر انضمام كيكل للدعم السريع عقب فشل الخطة (أ) بالقضاء على هذه القوات خلال أسابيع أو شهور قليلة. ففي أغسطس 2023، بعد أربعة أشهر فقط من بدء البرهان وحلفائه في الحركة الإسلامية الحرب على الدعم السريع، أعلن كيكل انضمامه للأخيرة. وفي ذات الشهر، تمكن البرهان من الهروب من مخبئه في القيادة العامة وسط الخرطوم.
ولم تمضِ أربعة أشهر أخرى حتى فوجئ الجميع بتحرك قوات الدعم السريع نحو ولاية الجزيرة والسيطرة على حاضرتها “ود مدني” في ديسمبر 2023. فهل كان ذلك مجرد صدفة؟ أم بإيعاز من “كيكل” الذي كان ينسِّق مع قائده الحقيقي عبد الفتاح البرهان كما زلة لسانه دون أن يريد؟!
يبدو أن البرهان والحركة الإسلامية، بعد إدراكهم استحالة استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم، قرروا تفعيل الخطة (ب)، التي تقضي بانضمام كيكل إلى قوات الدعم السريع لاستدراجها إلى ولاية الجزيرة، وتشتيت جهودها، وإرهاق قبضتها على العاصمة، وتوريطها في انتهاكات جسيمة. وهذا ما حدث بالفعل.
أين التحقيق مع قائد الحامية العسكرية في ود مدني؟ لا يوجد تحقيق، ولا توجد محاكمة. قائد الحامية نفذ الأوامر واتبع الخطة، ولا عزاء لأهل الجزيرة المساكين!
لكن ما كان الثمن؟ ببساطة، كان الثمن التضحية بمواطني الجزيرة. لقد وجه البرهان قوات كيكل لارتكاب جميع الانتهاكات الممكنة بحق المواطنين لتشريدهم وإرهابهم من مناطقهم، بهدف الحصول على إدانات دولية ضد قادة الدعم السريع وتحقيق مكاسب دعائية، إضافة إلى إضعاف معنويات جنودها.
إذن، الانتهاكات التي حدثت في الجزيرة كانت بتخطيط البرهان واستخباراته العسكرية، والدليل أن جميع الأحداث الكبرى، بما فيها مجزرة “النورة”، وقعت على يد وحدات تتبع لـ”كيكل” شخصياً، بصفته قائد الدعم السريع في الجزيرة. وبالتالي فإن المسؤولية الأساسية عن هذه الانتهاكات تقع على عاتق عبد الفتاح البرهان واستخباراته.
هل تريدون المزيد؟ لماذا رحب عميل المخابرات العنصري عبد الرحمن عمسيب بعودة كيكل إلى الجيش السوداني؟ ولماذا أصر على دعمه رغم وصفه له سابقاً بالجنجويدي والمجرم؟ ببساطة، لأن ذلك كان جزءاً من دوره المرسوم من الاستخبارات لإحداث توازن في مواجهة خطاب شعب الجزيرة وحركات التمرد المناوئة لقرار العفو عن كيكل.
السودان، منذ أن أوجده الله على الأرض كدولة لها علم ونشيد وشعب، لم ينجب مجرماً كعبد الفتاح البرهان. هذا الرجل مستعد لإبادة الشعب السوداني بأكمله من أجل أن يحكم. أوعز للكوز ناظر الهدندوة “ترك” بإغلاق الميناء والطريق القومي لمنع الغذاء والدواء والطاقة عن الشعب السوداني لإسقاط حكومة عبد الله حمدوك. واليوم، يضحي بأهل الجزيرة، ويشردهم، ويقتلهم بالرصاص والجوع والمرض والتشريد، من أجل أن يبقى في السلطة.
إن كان البرهان يعتقد أنه سينجح في التلاعب بالجميع، فعليه أن يدرك أن الجميع سيمزقونه إرباً إرباً، وفي مقدمتهم المقربون منه. لننتظر ونرَ.