ابراهيم مطر
أحجم الناس في الفترة الأخيرة عن التعرض للحزب الشيوعي السوداني بالخير أو بالشر، كونه ومنذ أن اندلعت الحرب لا يخلو حاله من أمرين، فإما أن يلتزم الصمت في أشد أوقات الحاجة للحديث فيصير إلى ما يشبه الغياب، وإما أن تشارك عضويته بنشاط لافت “موجه”، في حملات الغرف الإعلامية للحركة الإسلامية، باعتبار تحالفهما الذي لم يظفر الحزب فيه بغير أمان عضويته من الملاحقة الأمنية، والسماح له بتنظيم بعض الأنشطة الاحتفالية في مناطق سيطرة الجيش.
وفي مقالات لنا سابقة بينا أن مهندس تزوير انتخابات المؤتمر الحزب الغواصة الإخواني “الحارث التوم” وتوابعه من لدن الغواصتين “علي الكنين” و”محي الدين الجلاد”، والذين خضعوا بالكامل للحركة الإسلامية أوصلت الحزب إلى أن يصير واحدة من واجهات الحركة الإسلامية، وذلك بعد ابتزازهم بفيديوهات مخجلة، وكنا قد فصلنا في ذلك في غير هذا الموضع، فلا حاجة للتكرار.
لكن ما استدعى الحديث عن الحزب بعد طول اجتناب هذه المرة هو ردة فعله تجاه مذابح حليفته الحركة الإسلامية بحق المدنيين في ولاية الجزيرة بعد دخول الجيش لود مدني، والتي لم تستهدف إنسان “الكنابي” بصورة عنصرية فحسب، بل مضت في حملات قتل مسعورة وفقاً لقوائم مسبقة استهدفت فيها الجميع “تقريباً”.
ووصف شاهد عيان من مدينة ود مدني ما يجري في المدينة من قبل قوات الجيش ومليشيا البراء بن مالك المتحالفة معه بالمروع، وبالذي يفوق كل التصورات، كاشفاً عن جرائم اغتصاب وقتل تتم بحق كوادر طبية نسوية وبائعات شاي تم اقتيادهن لمبنى في حي الزمالك بود مدني.
وقال الشاهد “عز الدين أحمد الحسن” في تدوينة له على منصة فيسبوك الثلاثاء: “لقد شهدت أكثر من مائة زحف، لكن ما يجري يفوق كل التصورات! مجازر في حق لجان المقاومة والأطباء والكوادر الصحية، وكذلك بحق ناشطين في العمل العام وكل من كان يتسلى بالحديث عن السياسة”.
وذكر الشاهد إن قوائم بأسماء المستهدفين كانت معدة مسبقاً من قبل مليشيات الكتائب الإسلامية الموالية للجيش، وفيهن بائعات شاي وكوادر طبية تم أخذهن لحي “الزمالك”، حيث جري اغتصابهن قبل نحرهن بالسكاكين. لافتاً النظر إلى أنهم كفوا عن قتل المدنيين المعتقلين بالرصاص، واعتمدت الحركة الإسلامية إعدامهم ذبحاً زيادة في التنكيل.
لكن الحزب الشيوعي السوداني 2025، والذي ظل ينعق لسنوات بالحديث عن العمال الزراعيين “سكان الكنابي”، وحقوقهم في تملك الأرض والعيش الكريم، لم يجد في قتلهم على الهوية وحرق أطفالهم داخل المنازل بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع سبباً لقول شيء، ولم يتق الحزب هذا السقوط الأخلاقي العلني والمريع، ولو بشق كلمة تقي الأبرياء غائلة انتقام حلفائه في الحركة الإسلامية، أو تخفف عنهم غلواء ما ذهبوا إليه من إسراف في قتل السودانيين.
همهم بعض الشيوعيين على منصة فيسبوك بكلمات خافتة خجولة عن القضاء والنيابة وما إليه من مؤسسات عقب انتشار أخبار المذابح، وهم يعلمون أكثر من غيرهم، أنها لم تعد في حيز الوجود منذ اندلاع الحرب، فتبين عجزهم البين عن الاتساق بين نشاط الحزب عنصري الطابع، وما ظل يرفعه – ادعاءً – من شعارات. وللأسف أو لحسن الحظ فقد حصحص الحق، وصار جلياً أن شيوعيين 2025 “ما عندهم حاجة للناس الزرق ديل”، بكل ما تحمل هذه العبارة من مرارة، ومن خذلان.
أحرق جنود الجيش السوداني المتحالف مع الحركة الإسلامية طفلين داخل منزليهما في “كمبو طيبة” بالقرب من “أم القرى” في ولاية الجزيرة، هما أحمد عيسي، وحامد محمد – بحسب بيان لمركزية مؤتمر الكنابي السبت – وقتلوا أربعة من المدنيين هم “عبد العزيز عبدالكريم”، “خاطر إبراهيم”، “أحمد إسحاق كيتا”، “صالح حماد”، “شيخ الخلوة”، و”علي نازح”.
واختطفت الحركة الإسلامية 13 امرأة من الكمبو ، ورجل واحد هو إبراهيم أبكر. وتم نهب ممتلكات السكان وسرقة محاصيلهم الزراعية، ومواشيهم قبل أن يحرق الكمبو بالكامل. لكن لم يفتح الله على شيوعيون 2025 ببنت شفة، وهم الذين وصل نعيقهم لحدود الصراخ احتجاجاً على “انتهاكات” في ذات “الجزيرة”، كان معظمها من صنع “كيكل”، وبعضها نتيجة تفشي الكوليرا، لكنهم كانوا في حالة هياج يستحيل معها اقناعهم بعدم اتباع وليهم الفقيه علي كرتي “عمال على بطال”، والتوقف قليلاً عند السؤال:”لماذا تتطابق مواقفكم أيها الشيوعيون – وبالكربون – وفي كل مرة، مع قتلة الحركة الإسلامية الملتحين، منذ ما قبل اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل؟
والسؤال للشرفاء طبعاً من عضوية الحزب الذين لا خوف عليهم من فيديو مخجل ولا هم مغوصون، أما من قادهم خجلهم من انكشاف زيفهم وعنصريتهم للعيان إلى النباح والنعيق والشتائم على الوسائط، فلا مانع لديهم من أن يتحالف الحزب مع علي كرتي إن كان لذلك أن يدرأ عنهم شر “الأضان الزرقاء”، و”الغرابة”، ولا يشغلهم أن عمالاً زراعيين تم إعدامهم لأنهم لا يشبهون “المواطنين”. أو أن أحد قتلة الحركة الإسلامية تساءل:”عليك الله دا شكل مواطن؟”، قبل أن يطلق عليه النار.