علي أحمد
أثار مقطع فيديو ظهر فيه أحدهم بنظارات سوداء قاتمة وجهاز إرسال واستقبال لاسلكي وبدلة واقية من الرصاص ولفافة على الرأس وقناع، عقب انسحاب الدعم السريع من مدينة ود مدني، قال وهو يتحدث باسم مليشيات الإسلاميين بأن بحوزتهم قائمة بـ(6 آلاف و800 ) شخصاً قال أنهم متعاونون مع الدعم السريع، واتهم جميع مواطني المدينة الذين لم يتمكنوا من الخروج منها عقب انسحاب الجيش أمام قوات الدعم السريع بأنهم أعداء ودعامة ومتعاونون، وأن تصفيتهم وإعدامهم أمر حتمي.
أنزل الرجل اللفافة من على رأسه وغطي بها وجهه عدا عينيه، شارحاً الطريقة التي سيقتلون بها المواطنون الذين لم يخرجوا من المدينة باعتبارهم (دعامة) أو متعاونين مع الدعم السريع، فضلاً عن نحو (7) الآف أخرين قال إنه تم رصدهم في قائمة، وأشار الرجل أن فصائل إعدام ملثمة ومقنعة ستجري حملات إعدام واسعة النطاق خارج القانون، وأنهم سيقتلونهم ويرمون جثامينهم في النهر في عملية أطلق عليها (نظافة ود مدني)، وقال إنه لا يعرف جهة اسمها نيابة أو قضاء أو شرطة أو أمن أو جهات عدلية، وأن أسلوب عملهم سيكون الإعدام الفوري ورمي الجثامين في النيل الأزرق.
أثار هذا المقطع مخاوف كثيرة وسط المواطنين المقهورين، وأعاد إلى الأذهان ما فعله جنود وضباط الجيش والمليشيات الإرهابية المتعاونة معه في معظم المدن والبلدات والقرى التي تمكن من السيطرة عليها في غضون الثلاثة أشهر الماضية.
يدخل الجيش المدن والبلدات والقرى في الجزيرة والنيل الأزرق، من سنجة والدندر والسوكي وأريافها بعد أن تنسحب قوات الدعم السريع من أكبر حواضر هذان الإقليمان “ود مدني”، فيحتفل الناس ويهلل الكيزان معلنين بزوغ فجر دولتهم الثانية، دولة اللا قانون والفوضى الضاربة.
وقد رأينا بأم أعيننا ما حدث في سنجة من قبل الجيش ومليشيات الإسلاميين الإرهابيين، من تهديدٍ للنساء والأطفال والعجزة وتوزيع الاتهامات بالتعاون مع الدعم السريع لكل من لم يتمكن من مغادرة منطقته عن دخولها إليها، وبالتالي فهو مُضطر للتطبيع والتعامل معها كأمر واقع لتسيير شؤون حياته، لكن الجيش الذي ظل يطالب المواطنين بالقتال معه وإنه عاجز عن حمايتهم وعاجز عن الانتصار وحده، رأينا ضُباطاً كباراً فيه يسكبون الدموع ويصفون المواطنين بالجبن والخوار إن لم يشاركوا في المعركة .. هذا الجيش الذي يهرب وينسحب تاركين المواطنين خلفه يحاسب المواطنين الذين لم يخرجوا من المدن والبلدات التي تركها خلفه و(عرد) !
نعم (هرب – انسحب) لا يهم، لكنه ترك مواطنيه مكشوفي الظهر، لم يتمكن من حمايتهم ولم يتمكن من إجلائهم، ولم يترك لهم أموالاً حتى يهربوا كما هرب هو بمال الشعب، ثم يريدهم أن يقاتلوا الدعم السريع بأيدٍ فارغة، يرديهم أن يعادوها وهي مسيطرة على المنطقة وتحكمها … أي عقل هذا، أي رشاد.
كما حدث في الحلفاية وسنجة والدندر وأمبدة بأم درمان، عندما عاد إليها الجيش الهارب مرة أخرى جرت عمليات تصفيات جسدية بعضها تم تصويره وبثه، وجرت تحقيقات مع نساء ضعيفات، حتى أن أحد جنود الجيش، كان يحقق مع امرأة من قرى الجزيرة ويسألها لماذا بقيت كل هذا الوقت مع الدعم السريع ولم تخرج إن لم تكن متعاونة، كان يصور التحقيق بكاميرا موبايل، أخذ بطاقتها الشخصية وعبث بأدوات التجميل الخاصّة بها، علق على (الروج) بكلمات بذيئة فيها ايحاءات جنسية، لكن كان الاتهام الأنكأ هو إنها (متعاونة).
تم إعدام المئات من سكان (الكنابي) في محاكم تفتيش عنصريّة وإصابة العشرات بإعاقات مختلفة – وسنعود لهذه المذبحة- ، وتم ابتزاز مواطنون كثير ومحاكمتهم إيجازياً أمام كاميرات الهواتف الجوالة من قبل جنود أميون جهلة بتهمٍ عقوبتها الإعدام، بل وإعدامهم في معظم الأحايين، كما حدث في الحلفايا وفي سنجة والدندر والسوكي، وفي أم درمان، حيث لا أحد ينسى مقطع الفيديو الشهر الذي تم تصويره من قبل القتلة وهم يصفون رجلاً في مقتبل العمر بتهمة أنه (دعامي) وأن ابنته هي من اعترفت بذلك، فأطلق عليه ثلاثة من جنود الجيش النار وهم يرددون (دعامي دعامي) فأردوه قتيلاً وصوروا عمليتهم (البطولية) هذه، ما أخزاهم وأجبنهم وأرذلهم.
أعلم أن (الكيزان) قد عادوا إلى الواجهة مرة أخرى، وأن هذه الأفعال هي أفعالهم، أعرف خطابهم وسلوكهم وأفعالهم وبصماتهم كما أعرف نفسي، وأعرف أنهم سيذيقون المواطنين الويل والثبور وعظائم الأمور، وأن القادم أسوأ بكثير مما يتخيل أكثر المتفائلين، وأن الموت الذي سيأتي في قادمات الأيام سيكون الذي مضى وولي محض (مبارزات صغيرة) بالنسبة له، بعبارة رئيس وزراء المرحلة الانتقالية الدكتور عبد الله حمدوك.
إن عاد الكيزان فعلى بلادنا السلام، وسوف تصبح الحرب ونتائجها مجرد قصص مُسلية.