عبد الرحمن الكلس
انتفش البرهان والكيزان بدخول قواتهم إلى مدني، عاصمة ولاية الجزيرة.
والسبب الأساسي في تقدمهم الحالي هو التدخل الخارجي الكثيف: طائرات البيرقدار التركية، والمسيرات الإيرانية وفنيي تشغليها، وقصف الطيران المصري، مع أموال قطرية مفتوحة لتمويل حرب (الإخوان) بلا حدود، إضافة إلى مشاركة المشاة من الجيش الإريتري ومرتزقة التقراي الإثيوبيين!
ولكن التدخل الخارجي مما لا يمكن التعويل عليه. هذه من دروس التاريخ، ولكن هل يقرأ العسكر التاريخ؟ دعك من الكيزان الذين يبدأ التاريخ لديهم في اليوم الذي يعودون فيه إلى السلطة، ولهذا السبب ضحّوا بإنسان الجزيرة وجعلوه قربانًا لغاياتهم الشريرة.
وسبق أن أدى تدخل خارجي شبيه إلى انتصار بشار الأسد في سوريا لسنوات: كانت قوات المعارضة السورية على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة دمشق، فتدخل الروس بقصف الطيران، وتدخلت إيران بالميليشيات الشيعية من كل جهة، من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، فتغير ميزان القوى لسنوات لصالح جزار سوريا.
ولكن، بطبيعة التدخل الخارجي، فإنه غير قابل للدوام. بعد سنوات، وبعد أن ظن بشار أنه خالد إلى الأبد، تورطت روسيا في أوكرانيا فنفضت يدها عن سوريا، وتعرضت إيران وأذرعها لضربات قاسية من إسرائيل فانكفأت للدفاع عن نفسها بدلًا من نجدة بشار. ولذا، وفي خلال أحد عشر يومًا فقط، سقط نظام بشار سقوطًا مدويًا وبلا مقاومة تُذكر.
والمؤكد أن هذا ما سيجري في السودان عاجلًا أو آجلًا.
ومن يشك في ذلك، فليراجع تاريخ السودان نفسه. لم تستطع النظم المركزية على مر تاريخنا الحديث أن تحسم عسكريًا أي حركة من حركات الهامش.
وفي حملة (صيف العبور)، وبإسناد من ملالي إيران والحركات الإسلاموية في كل المنطقة، استطاع نظام الإنقاذ أن يسيطر على غالبية مدن الجنوب. ولكن لأنها انتصارات بلا جذور شعبية راسخة، سرعان ما أعادت الحركة الشعبية تنظيم صفوفها وزحفت على النظام، جاعلة انتصاراته السابقة هباءً منثورًا. واضطر النظام، الذي كان يزعم أن الملائكة تحارب معه، إلى توقيع اتفاق السلام وقبول تقرير المصير، وبالتالي استقلال جنوب السودان.
وهكذا، فإن فورة الانتشاء الحالية ليست أكثر من مجرد “فورة لبن”. وسنرى البرهان والكباشي وياسر العطا وغيرهم قريبًا، إما يمتطون طائرة الهروب على عجل، أو يفتحون ما بين أرجلهم متخوزقين بخواريق الثوار