طارت غرف الحركة الإسلامية الإعلامية فرحاً بخبر إعلان الخزانة الأمريكية في إدارة بايدن المنتهية ولايتها في التاسع عشر من الشهر الجاري أي بعد أسبوعين من اليوم بالتمام والكمال ليأتي دونالد ترامب يلقي عصاه فإذا هي تلقف كل ما خطت يد إدارة بايدن من قرارات، فالرجل الذي لا يعرف لإدارة بايدن المنتهية ولايتها نشاطاً سوى دعم المثليين ليدلل به على احتقاره لنلك الإدارة، وبذا تكون قرارات إدارة بايدن لا تعدو كونها “زوبعة في فنجان”.
وللأمانة فقد كان دور إدارة بايدن في حرب السودان “مخزياً” بمعنى الكلمة، ولا يكاد يُرى بالعين الفاحصة. فقد أفرطت الإدارة في إهمال الملف ، وتعاملت معه بفوقية، وبطريقة غير مباشرة بادئ الأمر، ولم تعين له من ذوي الكفاءات والخبرة عندما احتدم القتال، بل هو الناشط المبعوث “توم بريلو”، مع صوره التي تملأ وسائط التواصل في وجبة عشاء مع النشطاء أو المشاركة في نشاط محلي. وقبل أسبوعين من نهاية ولايته، يتحدث رئيس الدبلوماسية الأمريكية “أنتوني بلينكن” – أضعف نسخة لوزير خارجية أمريكي –عن عقوبات فرضتها الخزانة الأمريكية على قائد قوات الدعم السريع، وهو الذي عجز حتى عن جلب “البرهان” لطاولة التفاوض.
كال “بلينكن” الاتهامات لقائد الدعم السريع المنخرط في حرب ضد جماعة إرهابية معلومة الإرهاب، أوشكت على أن تكمل العامين، واتهم حامل لواء التحول المدني والانتقال الديمقراطي بإعاقة الانتقال! فهل كان بلينكن غافلاً عن المفارقة الواضحة؟ هل يجهلون مدى الدعم الذي يجده الإرهابيون من وراء قرارات كهذه، تكافئ المجرم وتعينه على المزيد من الإجرام؟ الإجابة بالتأكيد لا، فما الذي حدا بإدارة بايدن المنتهية ولايتها لإصدار مثل هذه القرارات؟
لا يمكن تجاهل البعد الأمريكي الداخلي في التأثير على قرارات إدارة “بايدن” المنتهية ولايتها، خصوصاً في أيامها الأخيرة، كونها “مشغولة” بالترتيب لمرحلة ما بعد صعود “ترامب” لسدة السلطة في العشرين من الشهر الجاري، ابتداءً من إصدار أحكام عفو استباقية قضائية، كرد فعل على توعد “ترامب” بملاحقة عدد من الشخصيات النافذة في الحزب الديمقراطي قضائياً أبرزهم رئيسة مجلس النواب السابقة “نانسي بيلوسي”، وكذلك وضع العراقيل أمام “ترامب” على ما يبدو في ملف العلاقات الخارجية، والذي منيت فيه إدارة “بايدن” بالفشل الذريع. خاصة فيما يتعلق بحرب السودان، وهذا جانب يمكن أن تفسر من خلاله القرارات الصادرة في الأمتار الأخيرة لتلك الإدارة.
فشلت إدارة “بايدن” في تطوير اتفاق إعلان المبادئ في “جدة” لوقف العدائيات، وفشلت كذلك في الوصول بجهود “المنامة” في إيقاف الحرب لغاياتها. كما فشلت في وضع ضغوط كافية على حكومة الأمر الواقع في “بورتسودان” لتجبرها على الرضوخ والمضي باتجاه إنهاء الحرب، لإنقاذ المدنيين على الأقل من المحرقة، وفشلت إدارة بايدن في نهاية الأمر وعلى أعلى مستوياتها في جلب البرهان ووفد الجيش للتفاوض، في أكبر هزيمة مشهودة للدبلوماسية الأمريكية.
واليوم تنشط إدارة “بايدن” وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة في وضع العقوبات على الطرف الذي أبدى استعداده للتفاوض من أجل خفض العدائيات وإيقاف الحرب، ووافق على كافة الهدن التي طرحتها جدة، بل وأطلق سراح آلاف الأسرى من جيش الحركة الإسلامية كبادرة حسن نية!
وتصف الإدارة من ظل ينادي بالتحول المدني الديمقراطي ويقاتل تحت رايته لعامين، بأنه معيق للانتقال الديمقراطي! في أكبر عملية “لي عنق” للحقائق في العصر الحديث، وتكافئ “الإرهابيين” ومليشياتهم التي يقاتل الجيش إلى جانبها، بالمساواة بين الجاني والضحية. بل وترجح كفة الجاني بما يعينه ويشجعه على ارتكاب المزيد من الجرائم، تلك قسمة إدارة بايدن الضيزى، وحسب السودانيين منها أن تمضي بخيرها وشرها بعد أسبوعين من اليوم. بتجاهلها واستعلائها وضعفها وعجزها، وعقوباتها التي تفرضها لاعتبارات لا علاقة لها بمنطق الصراع.
أما عن “سرادق الفرح” الذي أقامته الحركة الإسلامية وواجهاتها الإرهابية في وسائط التواصل الاجتماعي فهو مؤقت، وقد يمتد ليومين أو ثلاثة. لكنهم يعرفون – أكثر من غيرهم – أن الولايات المتحدة في ظل إدارة “ترامب” القادمة لن تشبه الولايات المتحدة في ما سبق لها من تاريخ، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. وأن جماعة “الحركة الإسلامية في السودان” الإرهابية ستكون هدفاً للعقوبات الأمريكية والملاحقات القضائية من المحاكم الدولية في قادم الأيام.
ولعل السودانيون يكونون أكثر حظاً بإدارة محافظة قوية في عهد “ترامب”، تتمكن من وضع حد للصراع في السودان، والمضي باتجاه الحلول، لصالح انتقال سلمي مدني ديمقراطي، يجنب البلاد ويلات الحروب.