تقرير: الطيب علي حسن
في سبتمبر الماضي، خلصت البعثة الأممية لتقصي الحقائق في السودان، في تقريرها عن حرب 15 أبريل، إلى أن هناك أسبابًا “معقولة” تؤكد أن كل من القوات المسلحة السودانية والفصائل المسلحة المتحالفة معها، قد ارتكبت جرائم حرب تتمثل في “العنف ضد الحياة والبشر”، خاصة جرائم القتل والمعاملة القاسية والتعذيب؛ وكذلك ارتكاب انتهاكات ضد الكرامة الشخصية للإنسان، بما في ذلك المعاملة المهينة والمذلة.
وكانت منظمات حقوقية دولية ومحلية، قد خلصت إلى ذات النتائج أيضًا، ومع أن التقارير في الحالتين تؤكد أن الجيش وحلفاءه قد ارتكبوا جرائم حرب بحق البشر، إلا أنها قد تجاهلت أن القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، كانت قد ارتكبت أيضا الكثير من الانتهاكات بحق حتى الحيوانات.
في هذا السياق، ظلت كل من القوات المسلحة والقوات المشتركة المتحالفة معها والتي تتكون من حركات مسلحة من إقليم دارفور، تستهدفان المجتمعات العربية بدارفور وثروتها الحيوانية بواسطة سلاح الجو، أو الاستهداف المباشر الذي يشمل حرق القرى والفرقان التي تقطنها مجموعات من القبائل العربية بدارفور، وأيضًا سلب ونهب ثروتهم الحيوانية؛ مما أدى إلى مقتل المئات منهم، ونفوق المئات من قطعان الماشية، وحرق المئات من البيوت والخيام.
وبحسب تقارير محلية، فإن المئات من أبناء القبائل العربية بكردفان ودارفور يقبعون في السجون بمناطق سيطرة الجيش السوداني استنادًا إلى يعرف بـ”قانون الوجوه الغريبة”، فيما عد جرائم استهداف عرقي، تفاقم من حدة الاستقطاب الاجتماعي المصاحب للحرب، وتثير مخاوف القبائل العربية بغرب السودان؛ الأمر الذي يدفعهم إلى الاستنفار مع قوات الدعم السريع من أجل حماية أنفسهم ومصالحهم، وذلك بحسب مراقبين.
وكانت تقارير أخرى قد تحدثت بوضوح عن استهداف طيران سلاح الجو التابع للقوات المسلحة السودانية للمدنيين العزل في الأسواق بشكل متعمد وممنهج، وذلك في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، هذا ويبرر الموالون للجيش هذا الاستهداف بزريعة أن هؤلاء المدنيين يمثلون ما يعرف بـ”الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع”.
استهداف القبائل العربية بدارفور بالإبادة الجماعية:
وضمن هذا الاستهداف الممنهج كان سلاح الجو السوداني قد شن غارات عنيفة استهدفت الأسواق المكتظة بالمدنيين، في عدة مدن مثل مليط والكومة الضعين ونيالا وكبكابية وكتم وحمرة الشيخ وبابنوسة، والتي يعدها موالون للجيش حواضن لقوات الدعم السريع وهو ما عُدّ استهدافًا ممنهجًا يرقى لجرائم الحرب وفقًا لعدد من المنظمات الحقوقية.
وكانت قبيلة “الزيادية”، قد قالت في بيان رسمي، ديسمبر الماضي، إن القصف المتكرر من قبل طيران الجيش للمدنيين العزل بمدينتي الكومة ومليط بالبراميل المتفجرة، يمثل “إبادة جماعية منظمة” يمارسها الجيش السوداني بحق القبيلة بدعم من حليفه مني أركو مناوي.
وأوضحت “الزيادية”، في بيانها، أن ما يقوم به الجيش السوداني بمساعدة ما يسمى بالقوات المشتركة يرقى لما يمكن أن يوصف بـ“عملية إبادة جماعية” لسكان ومواطني مكون اجتماعي ليس لهم علاقة بما يحدث بين طرفي الحرب”.
وأضافت أن القوانين الدولية تمنع التعدي على المدنيين العزل، إلا أن الجيش لم يراعي ذلك، مشيرة إلى أنه لم تسلم حتى الحيوانات من القذائف المتفجرة التي يلقيها على المناطق المأهولة بالسكان.
وفي ذات السياق، أدانت قبيلة “أولاد راشد”، التي تقطن شمال دارفور أيضًا، في بيان مطلع ديسمبر الماضي، تأكدت «صحيفة الجماهير» من صحته، ما أسمتها “أحداث الغدر بالرعاه” في منطقة “الزرق” شمالي وادي هور بشمال دارفور، والتي استهدف فيها هجوم للقوات المشتركة المتحالفة مع الجيش، عددًا من رعاة الإبل من القبائل العربية؛ مما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم وجرح آخرين.
وأوضح البيان أن الثلاثة رعاة المغدورين هم، “البشر محمد جبريل بروص، وعمر عسالة إدريس السعيد، وفرح تاج الدين آدم وداعة”، مشيرًا إلى أن أربعة أشخاص آخرين في عداد المفقودين جراء الهجوم، وأن القوات المشتركة قد نهبت قطعانهم بعد أن قتلتهم، وأخذتها إلى مكان غير معلوم.
وشدد البيان على أن القبيلة تدين وتستنكر الهجوم على الرعاة المدنيين، الذي وصفته بـ”الاعتداء الغاشم والغادر”، مضيفًا أن من قاموا به هم مجموعة من “أبناء قبيلة الزغاوة” تنسب نفسها “للقوات المشتركة”.
وأكد البيان، أن إدارة القبيلة تصف ما حدث من استهداف الرعاة في وادي هور، على أنه خرق للعرف الأهلي في شمال دارفور، ومحاولة لجر القبيلة إلى صدام مباشر مع المليشيات القبلية المسلحة التي تقاتل باسم “القوات المشتركة”.
وحذر البيان القوات المشتركة وكل القوات في إقليم دارفور من استهداف المواطنين، وجر المكونات الاجتماعية للدخول في آتون حروب أهلية لا تبقي ولا تذر، مؤكدًا أن قبيلة “أولاد راشد” مع تحكيم صوت العقل للحفاظ على النسيج الاجتماعي في إقليم دارفور وكافة بقاع السودان الكبير.
تواصل استهداف رعاة القبائل العربية:
وقال عضو تنسيقية الرعاة والرحل في بادية الزرق بشمال دارفور، حميدان حامد الشيخ، لـ “دارفور 24″، في مطلع ديسمبر الماضي، إن القوة المشتركة قامت بعمليات نهب واسعة للإبل والأغنام التي تتبع لقبائل الرزيقات والزيادية بالقرب من وادي هور، وأنها قتلت الرعاة “حامد فضل الله النيل، ومرتضى حسن سعيد” في حادثين منفصلين.
وبحسب إفادة “الشيخ”، فإن حادث القتل الأول حدث في سهول وادي هور، حيث قامت القوة المشتركة بالهجوم على قطيع من الإبل، تعود ملكيته لـ”حامد فضل الله النيل”، بمتحرك مكون من (17) عربة مدججة بالسلاح؛ مما أدى إلى مقتله دهسًا ومقتل العديد من الإبل أيضًا، وأضاف، أنهم أهانوا القتيل أمام النساء والأطفال.
وقال أيضًا، إن بادية أخرى لقبيلة “الزيادية” قد تعرضت لهجوم من قوة أخرى تتبع للقوة المشتركة في ذات اليوم، مما أسفر عن مقتل المواطن “مرتضى حسن سعيد”، إضافةً إلى نهب عدد كبير من الجمال والأغنام.
وفحص فريق «صحيفة الجماهير» مقطع فيديو، يظهر عناصر مسلحين يستخدمون الجمال وسط قطيع من الأغنام، حيث كانوا يرددون عبارات تسخر من القبائل العربية، ويذكرون اسم شخص باعتباره صاحب الماشية التي قاموا بالاستحواذ عليها، وعبارات أخرى مثل “ارت ارت، مشتركة فوق”، وتشير أصابع الاتهام إلى القوات المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.