علي أحمد
منذ أن سمعتُ برجلٍ اسمه مالك عقار، حين كان متمرداً ضد الدولة لقرابة أربعة عقود، وهو يسهم بكل جدية في تأخُّر الشعوب السودانية، تدمير البلاد، وتعطيل التنمية، وإهلاك الزرع والنسل في إقليم جنوب النيل الأزرق الذي ينتمي إليه. حتى لحظة قبوله رشوة عبد الفتاح البرهان ليصبح نائباً له، ومقولة وهب بن منبه: *”الأحمق إذا تكلم فضحه حُمقه، وإذا سكت فضحه عِيّه، وإذا عمِل أفسد، وإذا تَرَك أضاع، لا علمه يُعينه، ولا علم غيره ينفعه”* لا تفارق ذهني كلما رأيته يتكلم أو يلوذ بالصمت.
وتكلم مالك بالأمس، وليته سكت؛ فخلال لقائه بممثل منظمة اليونيسف في السودان، شيلدون يت، اتهم *”جهات إقليمية ودولية – لم يسمها – بالسعي لتسييس العملية التعليمية في السودان، بطريقة مشابهة لتسييس القضية الإنسانية، واستخدامها كسلاح ضد المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية تخدم مصلحة قوات الدعم السريع”*.
لا شك أن ممثل اليونيسف، وهو ينظر إلى هذا الوجه المنتفخ بالحماقة والبلاهة الذي وضعته الأقدار السيئة أمامه، قد ضرب كفاً بكف. فالجميع يعلم، كما يعلم هو، أن الحكومة التي يعمل عقار في خدمة رئيسها، والتي اتخذت بورتسودان عاصمة بديلة بعد هروب طاقمها من الخرطوم خشية التضحية في سبيل السلطة، هي ذاتها التي أعلنت عن بدء امتحانات الثانوية المؤجلة لعام 2023 في 28 ديسمبر، وامتحانات دفعة 2024 في مارس 2025.
هذه القرارات أثارت، ولا تزال تثير، جدلاً واسعاً بسبب العدد الكبير من الطلاب النازحين واللاجئين، الذين يعيشون في مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع، حيث لا يمكنهم المشاركة في هذه الامتحانات.
لجنة المعلمين السودانيين، ونشطاء، وحقوقيون، وهيئة محامي دارفور، وغيرهم من منظمات المجتمع المدني، كانوا قد أصدروا بيانات في حينها، عبّروا خلالها عن قلقهم إزاء القرار واعتبروه تهديداً لوحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي. كما أكدوا أن التعليم قد أصبح *”سلاحاً في الحرب”*، معبرين عن رفضهم لتحويله إلى أداة لتكريس الانقسامات.
ثم يأتي مالك عقار بكل حمقه وثِقل دمه ليعيد نفس العبارات التي استخدمها الناشطون قبله، لكنه ينسبها إلى جهات خارجية غامضة، في حين أن الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن هذا القرار، والتي يجب أن تُوجَّه لها هذه الاتهامات، هي *حكومته* نفسها.
مالك عقار اليوم أشبه بـ”أطرش” في زفة الكيزان والعسكر، الذين يعملون بوتيرة متسارعة، وبخطط مدروسة لتقسيم السودان، وإخراج بعض مناطقه من الخريطة الوطنية، وعلى رأسها الإقليم الذي ينتمي إليه هذا الرجل الحزين منزوع الإحساس، صاحب “الجلد التخين”، الذي ارتضى أن يلعب دور حاجب صغير في بلاط الكيزان، بلا هدى ولا رشد.
وقريباً، لا شك، سيتم التخلص منه؛ ليحمل عصاه ويرحل إلى (باو) حيث ولد باسم (نجفة) قبل استقلال السودان بأربع سنوات.
الخطة المحكمة لتقسيم السودان تتجلى في خطوات مثل إصدار العملة الجديدة، وحرمان دارفور منها بدعوى أنها تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بينما تُتاح هذه العملة في مناطق أخرى وسط السودان، بما فيها أجزاء واسعة من الخرطوم رغم سيطرة الدعم السريع عليها.
إلى جانب ذلك، يجري حرمان فئات واسعة من استخراج أو تجديد وثائق الهوية والسفر على أسس جهوية وعرقية، بحجة أنهم ينتمون إلى إثنيات يعتبرها العنصريون داعمة للدعم السريع، فيطلقون عليهم وصف *”حواضن التمرد”*، وهو واحد من أقبح المصطلحات السياسية التي أُدخلت إلى المشهد السوداني، لترسيخ الانقسامات تمهيداً لتفكيك البلاد.
وفي إطار هذه الخطة، تم انتداب منظمة أطلق عليها الكيزان اسم “النهر والبحر”. وبينما يعلو موج الأول في بورتسودان ويفيض الثاني عبر الجغرافيا السودانية، فإن الجميع يقتربون من غرق محتوم، عدا مالك عقار، الرجل الذي يبدو وكأنه لا يشعر بشيء، وكأن جلده قد تخشب تماماً.
هذا “أخرش الجلد” لا يشغل باله سوى تأمين مزيد من الأعطيات من سيده البرهان، مقابل هذه المشاهد المحزنة التي يقدمها بين حين وآخر، لتثبيت نفسه في منصبه الجديد كــ”كبير الأراجوزات” على مسرح السياسة السودانية!