عبد الرحمن الكلس
ما حدث ويحدث حتى الآن في مدينة “سنجة عبد الله”، عقب انسحاب قوات الدعم السريع منها قبل يومين من دخول جيش البرهان المدعوم بالكتائب الإسلاموية الإرهابية ومرتزقة إقليم تقراي الإثيوبي، يُشيب له الولدان. فقد تم – وفقاً لبيان صادر عن لجان مقاومة سنجة – تصفية وإبادة عائلات بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال، بحجج واهية تتعلق بالتعاون مع قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى عشرات حالات الاغتصاب التي شملت فتيات قاصرات.
علينا هنا – إن شئنا – أن لا نصدق بيان لجان المقاومة على إطلاقه، وأن نشكك في مصداقيته إن أردنا، لكننا لا يمكن أن نتجاوز مقاطع الفيديو التي صورها وبثها أفراد من جيش البرهان والمليشيات الكيزانية الإرهابية. فتلك المقاطع تُظهر بوضوح وتوثق بما لا يدع مجالاً للتشكيك أو القدح في مصداقية ما يُثار حول حدوث انتهاكات مهولة من قبل جيش البرهان ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. فقد استهدفت وحدات التصفية وفصائل الإعدامات مكونات اجتماعية بعينها، دارفورية على وجه العموم، والجماعات العربية ذات الأصول الدارفورية/الكردفانية على وجه الخصوص، وخصوصاً قبيلة “العريقات”، بتهمة التعاون مع الدعم السريع، وارتُكبت في حقها انتهاكات مُروعة وتصفية عرقية قائمة على الهوية القبلية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن حالة سنجة تمثل اللحظة الفاصلة في هذه الحرب، والعلامة الفارقة التي قد تتحول الحرب عندها إلى حرب عرقية لا تُبقي ولا تذر. خصوصاً وأن كتائب إعلامية تابعة لجيش البرهان، ومنظمات سياسية استخبارية من صنيعة جهاز الأمن والمخابرات، مثل منظمة العنصرية التي تُعرف بـ”النهر والبحر”، وشخصيات رمزية من صنع استخبارات جيش البرهان، تنشط في وسائل التواصل الاجتماعي تحت أسماء مستعارة وهويات مزيفة. وكانت هذه الجهات قد استُخدمت من قبل لإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة من الداخل بادعاء الانتماء إليها. الآن، أُعيد تموضعها لتعمل في خط ضرب التحول المدني الديمقراطي والثورة كمرحلة أولى، ثم إشعال الحرب وشنها على الدعم السريع كمرحلة ثانية، وتحويلها إلى حرب قبلية وعنصرية في المرحلة الأخيرة. وهذا ما يحدث الآن.
إذاً، فإن الحرب لم تبدأ بعد، وما يبدو قادماً هو الأسوأ. فإن لم يتدارك المجتمع الدولي خطورة تحول الحرب الدائرة في السودان إلى حرب عرقية شاملة تشمل دول الجوار نفسها، لوجود تداخل كبير بين المكونات الاجتماعية والسياقات العرقية في السودان وجواره، فإن المنطقة برمتها قد تشتعل في حرب ضروس تطال دولاً كثيرة في الجوار. حينها، ستكون جهنم مكاناً أكثر أماناً من السودان ومحيطه.
ينام العالم ملء جفنيه عن ما يجري في السودان، ويغض الطرف عن الجرائم المروعة التي ترتكبها المليشيات الإخوانية وجيش البرهان بحق المدنيين العزل. وهذا يُذكّي نيران الحرب باتجاهات أكثر ترويعاً وخطورة. حينها، ستتقاتل مئات الجماعات العرقية التي تقطن السودان، وتُناجز بالسنان كل من لا ينتمي إليها، وبالتالي ستتحول المنطقة بأكملها إلى جغرافيا متفجرة وجحيم لا يُبقي ولا يذر. وستُرتكب مذابح ومجازر تتضاءل أمامها مذابح ومجازر رواندا القديمة ببشاعتها.
*يا أيها العالم الحر، أدرك السودان قبل أن يقضي عليه الإخوان وتابعهم برهان.*