بقلم:
إحسان عبد العزيز
عن مدينتى اتحدث..
اتبرا..
ظللنا نقرأ عن عطبرة خلال الايام الاخيرة وحتى اليوم اخباراً مفادها..
(لقاء كرتي، وأحمد هارون “الهارب من الجنائية” المختار رئيساً لحزب المؤتمر الوطني المنحل، وعقد اجتماعين منفصلين مع مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا، ووالي نهر النيل، واجتماع اخر لمجلس شورى الحزب المنحل بمدينة عطبرة الخميس الماضي، حضره عدد من القيادات الفاسدة مثل أحمد هارون والأمين العام للحركة الإسلامية علي أحمد كرتي، بالإضافة إلى نائب الرئيس السابق علي عثمان محمد طه، احمد هارون مطلوب المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى دارفور، والذى ظل يصول ويجول حرا طليقا فى مدينة عطبرة) وكثير من الاخبار المسربة.. وكردة فعل مباشرة يمكن تتبادر لذهن اى قارئ يعرف تاريخ المدينة نجد السؤال الذى يفرض نفسه.. ما الذى جرى لمدينة عطبرة؟!!
عطبرة مهد الثورات..
عطبرة اكتوبر وابريل و 19/ديسمبر العظيمة..
عطبرة مصنع الرجال الوطنيين حيث انجبت الكثيرين من اعمدة الحركة الوطنية السودانية
عطبرة.. مهد الحركة النقابية ونقابة عمال السكك الحديد العظيمة..
عطبرة التى تحدت كل الدكتاتوريات ووقفت فى وجه الطغاة والظالمين..
اتبرا.. المدينة التى كانت قبل الانقاذ تستيقظ عن بكرة ابيها فجرا على صافرة السكة الحديد.. وتتناول الافطار باكرا على صوت ذات الصافرة..
حيث تزدان الشوارع بعجلات العاملين بالهيئة كالفراش المبثوث ولوحة زاهية مقدسة تنحنى لها قامات الوطن وتخشع من عظمتها القلوب.. ثم تختتم المدينة يوم العمل بصافرة الساعة 2 وخروج العاملين بالسكة حديد وجميع المؤسسات فى ذات التوقيت..
لتجتمع المدينة كلها على طاولة الغداء فى زمن واحد..
مدينة الانضباط والنظام..
النظافة والنضارة..
الحب والسلام..
ماذا جرى لمدينة الحديد والنار حتى تصبح حاضنة لمن خانوا الوطن اكثر من 30 عاما..
عاسوا فيها فسادا ونهبوا ثرواته وباعوا اصوله وممتلكاته فذهب اول ما ذهب كانت السكة الحديد التى تحتضن هيئتها ورئاستها مدينة عطبرة.. عرف السودان بامتلاكه لاكبر شبكة سكة حديد في أفريقيا كما وثق لها مؤسسوها، حيث قدرت بأكثر من (5000) كلم من الخطوط الحديدية التى كانت تمتد من وادي حلفا شمالا وصولاً إلى دارفور غرباً، ومن بورتسودان شرقا إلى واو جنوبا، وتميزت سكة حديد السودان بانضباطها وبتقديمها لارقى انواع الخدمات للمسافرين..
الحديث عن السكة الحديد ذو شجون ودموع خاصة لدى ابنائها ومن نشأوا على صوت صافرتها وعقارب ساعتها المشهودة، امتد خراب الوطن الى كل المؤسسات والمشاريع التى تغذى خزينة الدولة وتوفر العيش الكريم لابنائها، وعلى سبيل المثال لا الحصر
مشروع الجزيرة، الموانى البحرية، النقل النهرى، الخطوط الجوية السودانية وغيرها وغيرها.. ومن بين كل هذه المؤسسات قدرت مساهمة السكة الحديد كمورد ب 40%، من ميزانية السودان..
فاى مصيبة حلت على مدينة الحديد والنار لتصبح بؤرة للفاسدين وتجار الدين..
مدينة عطبرة التى اطلقت اول شرارة للاطاحة بالمعزول البشير كيف تطأ أقدام هذا السفاح المخلوع ارضها التى روتها دماء اول شهداء ثورة ديسمبر العظيمة!!!
وما زالت الاخبار تتوارد الينا لتعكس الصراع البائس بين عناصر الحركة الاسلامية منتهية الصلاحية واعضاء المؤتمر الوطنى المنحل.. صراع السلطة والمال والفساد بين مجموعة على كرتى واحمد هارون من جهة، وابراهيم محمود ونافع على نافع وغيرهم من جهة اخرى، ومن تداعيات هذا الصراع “محاولة اغتيال المجرم أحمد هارون” ثم اطلاق المسيرات فجر الامس الاثنين فى سماء المدينة ليدفع الثمن المواطن العادى.. فكل ما يحدث هو (منهم وفيهم) (فالذئاب تأكل بعضها) ويحدث هذا كله برعاية الجيش المختطف وعلى رأسه البرهان وياسر العطا.. الجيش الذى ترك المواطنين لقمة سائغة للدعم السريع فى الجزيرة ودارفور وولاية الخرطوم وغيرها ليمارسوا النهب والسرقة واغتصاب الحرائر والموت بالجملة.. الجيش الذى تخلى عن مسؤلياته وتسول الاستنفار والتمليش مقدما المدنيين دروعاً بشرية للموت المجانى وثمنا لبقاء الكيزان فى السلطة التى اقتلعوها عنوة بانقلاب 25/اكتوبر/2021 ثم باشعالهم هذه الحرب المدمرة منذ ابريل/2023.. الجيش الذى ترك قوات الدعم تستبيح الارض ليكمل مخططها الاجرامى بطيرانه الغاشم وبراميله الحارقة ومتفجراته الكيمائية وكأنه على موعد لتصفية حساباته مع هذا الشعب البطل الذى ازاح نظام الفساد والاستبداد بثورة شهد لها العالم اجمع..
واخيرا.. يجب ان تخرج قيادات المؤتمر الوطنى المنحل والحركة الاسلامية الاجرامية اليوم قبل الغد من مدينة عطبرة.. يجب ان تتم تصفية حساباتهم الداخلية بعيدا عن عطبرة وليذهبوا جميعا الى الجحيم..
عطبرة يجب تعيش كما كانت دوماً آمنة مستقرة دون المساس بنسيجها الاجتماعى الذى غذته لعهود طويلة ظلت خلالها نموذجاً للتعايش السلمى والسلام الاجتماعى لكل قبائل السودان.. فمدينة الحديد لا تموت نارها..
ويملؤنا اليقين نحن ابنائها والراضعين من ثدى نضالاتها
(ان تحت الرماد ناراً) ستكون هذه النار لهيباً لاقتلاع الفاسدين والمجرمين من الجذور.. ومقبرة لتجار الدين وسماسرة الحروب وعملاء الاطماع الخارجية..
فالثورة مستمرة ولن تموت جذوتها ولن يموت شعارها..
حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب.
19/نوفمبر/2024