بعد إسبوع من إعلان إزاحة البشير وتنحي ابن عوف وذهاب كمال عبدالمعروف وظهور البرهان في المشهد، إلتقيت بإحدى أبناء عمومتنا -(أحتجب عن ذكر إسمه الآن،قمت بتدوين الإسم في مذكراتي الشخصية للتاريخ )-وهو ضابط عظيم في جهاز الأمن والمخابرات ،ويعرف مدى كُرهي للكيزان وسعي الدؤوب لمناهضة دكتاتورية المركز.
تحدث معي في لقاء مطول،وسألني:رأيك شنو في نجاح ثورتكم ضد الكيزان وسقوط البشير؟!،فقلت له:《صحيح أن ثورتنا تراكمية ممتدة ،ولكننا لم نسقط الكيزان بعد ،وما حدث هو إنحناء منكم يا كيزان أمام عاصفة الهبة الشعبية،وخوفكم من إنحياز قيادة الدعم السريع لخيار الشعب،وأنا على المستوى الشخصي خائفة من التعاون الخفي الذي يجري الآن ما بين الكيزان و بعض قادة الأحزاب والنخب المركزية ،الذين تجمعهم مصالح مرتبطة بالدولة المركزية العميقة،وأنهم سيسعوا إلى سرقة الثورة معاً ومحاولة إبعاد الدعم السريع وقيادته عن المشهد،وتشتيت جُهد الثوار ،وبعد تحكيم السيطرة على الشارع الثوري ،سيعود الكيزان لينتقموا من “حميدتي”بالتحديد وجنوده وتركيع الشعب السوداني الذي ثار ضد ظلمهم》فقال لي:وأنت؟!فقلت له:انا ثوريه حُرة لا علاقة لي بأحزاب أو حركات مسلحة أو أي واجهة أخرى ،طرحي وفكري ومشاركاتي تنبع من قناعاتي الشخصية ،وسأظل مراقبة للمشهد داعمة لقيادة الدعم السريع التي لم تخذلنا كشعب.
مرت الأيام وتراكمت الأحداث التي بدأت بجريمة فض الإعتصام ، و أعقبها تعثر الفترة الإنتقالية بمؤامرات أجاد الكيزان حبكها ،وظهر الإنسداد التام في الأفق السياسي ،وبدت مؤشرات تؤكد إستعداد الكيزان لإشعال الحرب التي إختاروها لتكون كرتهم الرابح ليعودوا للسلطة.
ظن الكيزان بأن من الممكن التحكم على قوات الدعم السريع في سويعات معدودة بعد التخلص من قيادتها،وإحكام القبضة على مفاصل الدولة،وإزلال الشعب السوداني الذي ثار ضدهم.
بدأت مؤامرات شد الأطراف وخلق بؤر صراعات مفتعلة في كردفان ودارفور،وإغلاق الشرق، وإعتصام الموز الشهير وإنقلاب ٢٥إكتوبر الذي أعتذر عنه الفريق أول محمد حمدان دقلو ،فظهرت خطابات العداء الواضح ضد الدعم السريع من رؤوس الشيطان الكيزاني-(البرهان وكباشي والعطا)- مدعومة بتجمهرات للكيزان في الإفطارات الرمضانية،فكان نتاجها إشعال حرب ١٥أبريل/٢٠٢٣م،التي فتح فيها الكيزان السجون لإخراج المجرمين والإستعانه بهم في الحرب ،وهربوا جميعا متخذين من بورتسودان مقراً لهم،مستغليين طمع وجشع قيادات منبر جوبا الذين قدموا قواتهم مرتزقة يقاتلوا لصالح الكيزان وعصابة بورتسودان مقابل المال والسلطة.
ظل البرهان مُسيراً من قبل الكيزان في خوض هذة الحرب لا يملك إرادة تمكنه من إتخاذ مواقف وطنية،لذلك تعثرت مبادرات السلام المطروحة في المنابر الدولية،وأعاق الإسلامويين عملية السلام ووقف الإقتتال في السودان بإنشاء مجموعات و مليشيات تقاتل بجانبهم -(كتائب البراء والمستنفرين)-وإستخدام العُنف المُفرط ضد المواطنيين بقتلهم وذبحهم وقطع رؤوسهم وبقر بطونهم على أساس إثني جهوي،وتدمير الطيران للمرافق الحيوية وقصفه للأهالي ،ولجأ البرهان للتلاعب بمستقبل البلاد ورهن السيادة الوطنية للدول الخارجية الطامعة في خيرات البلاد.
كذب من قال بأن الكيزان على قلب رجل واحد،فقد شهدت سنوات حُكمهم السابقة العديد من المؤامرات فيما بينهم ،بدأت بالمفاصلة الشهيرة وادخلوا شيخهم الترابي السجن ونفذوا عمليات إغتيالات وتصفيات لعدد من ضباطهم وكوادرهم وبدأت الإنشقاقات التي أنتجت عدد من الأحزاب والحركات -(حركة العدل والمساوة،حركة الاصلاح والتجديد ،حزب المؤتمر الشعبي)- وما زالت الإنقسامات مستمرة داخل كياناتهم المتفرخة.
شهدت الأيام الماضية مناكفات بين مجموعة علي كرتي المتخفية التي أعلنت تجديد إنتخاب المجرم أحمد هارون رئيسا للحزب لدورة ثانية، والمجموعة الأخرى التي اتخذت من بورتسودان مقراً لها وأثرت تجميد شأن مناقشة أمر الحزب ،ومجموعات أخرى لا تؤمن بالمجموعتين،هذة الإنشقاقات البائنة للعيان ،توازيها خلافات أخرى مُستتره بين رؤوس الشيطان العسكريين أنفسهم،وكذا التراشقات بين ضرار ومناوي من جانب ،وبين فتاة الإستخبارات روشان والحركات الموقعة على جوبا من جانب أخر.
أصبحت بورتسودان ساحة مُعترك أفيال قابلة للإنفجار ،ويبقى السؤال:هل سيعجل هذا الصراع بتسريع خُطى إنهاء مشهد سقوط الكيزان؟!
ولنا عودة بإذن الله.
فاطمة لقاوة
الأحد،١٧نوفمبر/٢٠٢٤م