عبد الرحمن الكلس
بإعلان ما يُسمى بـ”تيار الشباب البجاوي الحر” بشرق السودان في بيان صدر عنه في 15 نوفمبر الجاري عن بدء إجراءات إغلاق كامل لحدود إقليم البحر الأحمر، قائلاً أن الهدف منها إخراج الحركات المسلحة الموجودة في الشرق، يعود إلى الأذهان كيف استخدم البرهان نفس هذه التيارات القبلية البجاوية بقيادة الناظر الكوز (تِرك) في إغلاق الطرق الحيوية بالبلاد والموانئ، لتنفيذ انقلابه على الحكومة المدنية الانتقالية. وكيف وضع هذا المجرم شرق البلاد الآمن على حافة حرب إثنية لا تُبقي ولا تذر، وأجّج الفتن بين المكونات العرقية عبر استخباراته، ليظل باقياً رئيساً لنا وباغياً علينا، وهو الأمر الذي لا تزال آثاره النفسية والاجتماعية قائمة حتى هذه اللحظة.
عقب فشل انقلابه وخذلانه لجماعة الناظر (تِرك) العنصرية، حيث أقصاها عن الفعل السياسي وفرقها وقسم دمها بين القبائل، ظن أنه في مأمن، وأن ما صنعته يداه لن يرتد إليه. فقد كان هذا العسكري (السجمان) محدود التفكير والخيال يظن أن بإمكانه صناعة كيانات ومليشيات سيتمكن من السيطرة عليها من خلال سياسة (دق الإسافين) بينها، إلى أن يقضي عليها تماماً في الوقت الذي يريد، وأنها لن تتمكن من الخروج عن طوعه أو التسلل من بين أصابعه.
الآن، ماذا سيفعل البرهان إزاء هذه التعقيدات التي ينسجها بأصابعه الواهنة المرتعشة؟ هل سيضرب من أغلق عبرهم المجال الحيوي للبلاد سابقًا؟ أم سيساندهم ضد حركات الارتزاق الدارفورية التي جلبها إلى بورتسودان، بدلاً من إرسالها إلى ميادين القتال لمواجهة الدعم السريع؟
بطبيعة الحال، يحق لأعضاء الحركات الارتزاقية التواجد في أي مكان في السودان كمواطنين مدنيين، ولا يحق لأحد أن يقول لهم (تلت التلاتة كم؟). هذا أمر مفروغ منه ولا يحتاج نقاشًا أو جدلًا، لا من تيار الشباب البجاوي صنيعة الاستخبارات ولا من البرهان نفسه. فهذا حق أصيل. لكن ليس كل ما ورد في بيان (التيار) خاطئ، فالحق معهم في المطالبة بطرد المسلحين خارج المدن والقرى المأهولة بالسكان التي لا تدور فيها معارك. لكن تنفيذ ذلك ليس شأنًا يعود لهم، بل هو مسؤولية البرهان وحكومته الكيزانية واستخباراته التي لا تعرف سوى صناعة الفتن القبلية وإدارة العنصرية والجهوية. عليها اللعنة كما على البرهان أضعافها.
ومن هذا المنطلق، فإن الأسئلة المركزية بخصوص حركات المرتزقة الدارفورية ما تزال قائمة، وأهمها: ما هي أهمية وجودها في بورتسودان والإقليم الشرقي؟ ولماذا لا تذهب إلى الجزيرة ودارفور حيث تدور المعارك وتكثر ميادين القتال؟
إن قادة هذه الحركات لا علاقة لهم بدارفور. فالرجل المثير للجدل، كبير المرتزقة “مني أركو مناوي”، الذي يطلق على نفسه لقب (فل مارشال)، وهو الأمي من أي علم والناقص لكل مؤهل وفضيلة، حاكم إقليم دارفور، لم يذهب إلى حيث يحكم منذ أن اندلعت الحرب، وظل مختبئًا كجرذ مذعور في بورتسودان، يُناكف ويشغل نفسه بـ(عبيط) الاستخبارات؛ شيبة ضرار. أما جبريل إبراهيم، فلم يزر دارفور خلال أكثر من ربع قرن إلا مرة واحدة.
أميرا الحرب، مناوي وجبريل، يريدان البقاء قريبًا من زعيم الفتن وصانع المليشيات عبد الفتاح البرهان، حيث (الذهب والمال)، ليحصلا على أجرتهما (أول بأول).
لطالما اعتقد البرهان وكيزانه أن إسقاط حكومة الانتقال المدني الديمقراطي عبر رجرجة الناظر تِرك سيتوقف عند هذا الحد، ولن يعود وبالاً عليهم أو يرتد إلى نحورهم. لقد أراد البرهان وحزبه (المؤتمر الوطني) تحويل شعب البجا، الذي أسس أول كيان مدني مطلبي سلمي راقٍ في تاريخ السودان السياسي تحت اسم (مؤتمر البجا) عام 1958، إلى غوغاء من قطاع الطرق والمسلحين القبائليين، ودهماء من الشتامين والمسيئين في وسائل التواصل الاجتماعي. وعمد إلى تشويه سمعة شيوخ قبائلهم واغتيال شخصياتهم، ونجح مع سيد محمد الأمين ترك لأنه (كوز) وربيب لهم.
الآن، بدأت الأمور تنفلت عن عقالها في شرق السودان، ولن ينصلح الحال ما لم يتم تنقية الفضاء السياسي والاجتماعي من صنائع الاستخبارات ومن حركات الارتزاق. فهذه الكيانات هي مصدر الفتنة وشرارة الحرب القادمة.
اللهم احفظ أهل الشرق من شرور البرهان والكيزان وحركات الارتزاق والناظر تِرك، واجعل كيدهم في نحورهم، وتدميرهم في تدبيرهم، ونهايتهم في أسلحتهم. آمين.