عبد الرحمن الكلس
ما من مشهد يُفزع القلب مثل رؤية رجلٍ يشارك في حلقة نقاشٍ أو مؤتمرٍ دون أن يكون لديه أدنى فكرة عن موضوعه؛ وهذا ما يُسميه الناس “أطرش في زفّة”.
تماماً مثل هذا “الأطرش” كان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في قاعة المؤتمرات بالعاصمة الأذربيجانية باكو، وهو يشارك في قمة “التغيُّر المناخي” التي تناقش ظاهرة الاحتباس الحراري، وقد كان الرجل فظيعاً!
أجزم أن عبد الفتاح البرهان، الذي أشعل الحرب في بلاده للبقاء على كرسي السلطة برافعة كيزانية بعد انتهاء فترة رئاسة المكوّن العسكري لمجلس السيادة، وكادت الحكومة الانتقالية أن تصبح مدنية خالصة ويتحقّق شعار “العسكر للثكنات”، لا يعرف شيئاً عن الاحتباس الحراري ولم يسمع به قبل هذه القمة. بل أجزم إنّ كل معلوماته المشتقة من الفعل (حبس) لا تتعدى
حبس المعارضين أو “حبس البول”، لا مؤاخذة. فهذا الرجل أقلّ من أي رئيس مَرّ على السودان بمئات الأضعاف، حتى أنني أستحي من مقارنته برجلٍ “خَيخة” وغبيّ، مثل قائده عمر البشير، الذي لم يكن يعرف من أين تأتي “المكرونة” وقال في افتتاح أحد مصانعها بالجزيرة مبشراً المواطنين: “إن شاء الله سنتوسّع في زراعة المكرونة العام القادم”!
إنه غباء العسكر الطبيعي!!
ثم، ما الدافع الذي يجعل هذا الرجل الذي يموت شعبه جوعاً “يحوم” دول العالم، لا يترك قمة شاردة أو مؤتمر وارد – حتى لو كان عن الاستخدامات الطبية للكركدي – حتى يحضره؟ لا شيء غير رغبته في إشباع نفسيته المريضة بكونه رئيساً معترفاً به، فيما الواقع عكس ذلك تماماً. فهو عاجز عن الوصول إلى مكتبه في عاصمة البلاد، وعاجز عن الوصول إلى القيادة العامة للجيش، ولا يسيطر على 30% من مساحة البلاد. بل إنّه عاجز عن إدارة شرق وشمال البلاد من العاصمة البديلة (بورتسودان)، حيث لا يأبه شركاؤه من الميليشيات الإسلامية الإرهابية وحركات الارتزاق المسلحة بتجاوز سلطته، ويتخذون القرارات المصيرية التي تتعلق بالأمن القومي وسيادة البلاد، بما في ذلك وقف الحرب وإنقاذ المواطنين. إنه رجل بلا سلطة وبلا صلاحيات، مجرد (عسكري) مُستخدم من أوباش البشر وسواقطهم.
أن يُستخدمني مناوي وجبريل والمصباح أبو زيد وشيبة ضرار، فهذا لعمري قمة (الاحتباس) السياسي والعسكري والأخلاقي. فلماذا يذهب البرهان إلى باكو ليهرف بما لا يعرف؟ أما كان الأجدر به أن يبقى رهين “المحبسين”؛ كيزانٌ على يمينه ومرتزقة على شماله، ليحسم معركته القادمة، حيث ترك البلابسة الحرب على الدعم السريع وأقبلوا على بعضهم، يتلاومون ويكيلون الاتهامات ويشتمون ويتفاحشون. وكما يعلم الجميع فإنّ “الحرب أولها كلام”، وأن مناخ بورتسودان سيكون شديد الرطوبة والحرارة في (عز الشتاء).
مثل هذا الانقلابي الدموي، مُشعل الحروب، لا يعرف شيئاً عن شؤون تبحث عن مستقبل العالم وتضع استراتيجيات لحماية كوكبنا من الانهيار والدمار، لأنه أحد كبار المساهمين في دماره. هذا الرجل تمكّن خلال بضعة أعوام من وجوده في سلطة انتقالية من تحويل بلاده إلى كرة من لهب، وتجويع وتشريد الملايين، وقتل عشرات الآلاف، وتسليح المدنيين، وإحياء النعرات القبلية العنصرية، وسرقة ونهب ذهب وموارد البلاد وتسخيرها لصالح حربه من أجل السلطة.
إنه أحد المهدّدات لمستقبل الحياة في السودان ومستقبل البشرية والعالم، لذلك كان أولى بقمة المناخ أن تضعه على منصتها كنموذجٍ حي لمسبّبات (الاحتباس) في هذا الكون. كان الأجدر أن يُرجم ويُحصب بالحجارة بعد انتهاء القمة، ليكون العالم قد حسم مسألة الاحتباس في قطعة عزيزة من هذه الأرض، وانفرج الأمر ورفعت الجلسة الأخيرة وتنفّست البشرية الصعداء.
إنّ هذا الرجل عارٌ على جبين البشرية، وإن حضوره مؤتمرات تتعلق بمستقبل الكون والبشر – وإن كان وجوده كعدمه – فيه نوع من الاستفزاز للمشاعر الإنسانية والحس البشري السليم، ويمثل خطراً عظيماً على هذا الكوكب.