بِضع أيام تفصلنا عن إلتحاق فاشر السُلطان بركب المُدن والفِرق التي تحررت من قبضة سفاحين المركز رؤوس الشيطان-(البرهان وكباشي والعطا)-الهاربين الذين آثروا المتاجرة بدماء أبناء الغلابة من الشعب السوداني من أجل البقاء في السُلطة وسِرقة الثروة وتأجير الأبواق التي تحاول تجميل واقعهم القبيح.
الفاشر التي ظن سماسرة الحرب أن إطالة الحرب في محيطها قد يمهد الطريق أمام المتاجرة الرخيصة بالسودان في كافة المحافل الدولية وعرض المصالح العُليا والدُنيا للدولة السودانية- التي سرقت العصابة في بورتسودان إسم ولسان جيشها -في سوق نخاسة السياسة العالمية والإرتماء تحت نعال من يطمع في سرقة خيرات الوطن غير آبهين بقيمة الإستقلالية والمحافظة على السيادة الوطنية والتعامل بندية وفق السياسات والمصالح التي تحفظ الأمن القومي في البلاد.
صحيح أن المِشكل السوداني ممتد من قُبيل الإستقلال إلاَّ أن الدولة المركزية العميقة والنُخب المُستفيدة منها والتي تسعى للحِفاظ على إمتيازاتها التاريخية دوما يجيدون حياكة المؤامرات وزراعة بؤر الفساد المُمنهج داخل الأحزاب والكُتل السياسية المُناهضة لسياسات المركز العقيمة إتجاه الأقاليم السودانية المُهمشة.
إستطاع المركز تدجين نُخب الهامش ووضعها داخل إطار التبعية العمياء ،و قد نجحت سياسات المركز في إيجاد زرائع لمحاربة حركات التحرر التي نشأت في أطراف البلاد-(الحركة الشعبية في جنوب السودان +الحركة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق+الحركات المسلحة في دارفور وشرق السودان)-فأدخلت عليها كوادر أمنية سعت الى رفع سقف العُنصرية داخل تلك الحركات إتجاة القواعد الشعبية السُكانية،فكان الخطأ الإستراتيجي الذي أستغلته الحكومات المركزية
لتجييش فرسان القبائل في تلك المناطق ليخوضوا حروب وكالة عن المركز،وتمكنوا من كسر شوكة العمل الثوري.
وإستخدم المركز خطابات الكراهية المفرطة تمهيداً من أجل فصل جنوب السودان ونجحوا في ذلك ،ليتواصل مسلسل تدمير أجزاء السودان الأخرى وتقليم أظافر كل من يناشد بالعدالة والمساوة وتأسيس دولة عادلة.
حرب ١٥أبريل/٢٠٢٣م أراد مُهندسيها أن تكون حرب إنتقام من قوات الدعم السريع وقيادتها حُماة الثورة وتركيع الشعب السوداني الذي ثار ضد ظُلم الكيزان،وتمهيد لعودة الإسلامويين للسُلطة مرة أُخرى،ولكن إرادة المولى كان لها رأي أخر ،حيث تمكنت قوات الدعم السريع من إمتصاص صدمة الغدر الأولى وخاضت حروب تحرر تاريخها جعلت رؤوس الشيطان وأتباعهم يهربوا فزعيين خائفيين إلى بورتسودان ولكنهم بدأوا في إحاكة المًؤمرات القذرة ضد الشعب السوداني الذي يدفع الثمن الآن تنكيل وتشريد وقتل على أساس جهوي عنصري بغيض،من قبل كتائب ظل الكيزان والمجرمين الذين تستخدمهم إستخبارات جيش البرهان لتنفيذ جرائم ممنهجة ظناً منهم بأنها ستقسم ظهر قوات الدعم السريع وتحاصرهم بالإنتهاكات التي قام بإرتكابها المجموعات المندسة التي زرعتها جماعة بورتسودان،إلاَّ أن الإنتهاكات الممنهجة لطيران جيش البرهان المدعوم من المخابرات الحربية المصرية،وجرائم القتل على أساس جهوي مناطقي وتدمير الأعيان المدنية وتكسير البنية التحتية،بالإضافة للجرائم التي يرتكبها دواعش الكيزان من ذبح للأهالي وقطع للروؤس وبقر البطون ،جميعها باتت مكشوفه للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التي أصبحت أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية وقانونية والعالم أجمع يتابع ردود الأفعال وباتت مصداقية الجميع في محك وإمتحان عسير ننتظر نجاح تلك المنظمات التي تدعي الوقوف لجانب الضحايا.
صحيح أن قوات الدعم السريع احدثت فارق كبير في عملية التحرر والنضال إذ إنها كسرت شوكة بندقية الحركة الإسلاموية التي أخافت بها جميع المعارضين،طيلة الثلاثين عاماً الماضية،ولكن القوى السياسية السودانية مازالت ممسكة بالعصا من النصف ولم تمتلك الجرأة التي تمكنها من أن تختار المواقف التاريخية التي تؤسس لدولة عادلة وتساهم في دك معبد الأنظمة الظالمة.
هناك حركات نضالية ما زالت تحمل السلاح ضد ظُلم المركز -(عبدالعزيز الحِلو،وعبدالواحد محمد نوى)- لكنها إلتزمت المراقبة ،بينما تسابق قادة منبر جوبا نحو الإنحياز لعصابة بورتسودان من أجل الحِفاظ على السلطة والمال،فسقطت عنهم ورقة توت النضال التي كانوا يتدثرون بها ،وإنكشفت أطماعهم التي من أجلها آثروا تقديم أبناء الغلابة من قواتهم الميدانية كلاب شطرنج في اللُعبة السياسية ليموت سِنبلا من أجل الملك،بل سمحوا بتصدير العُنف إلى الولايات التي ظلت تعاني الظُلم والتهميش الممهنج والإحتراب طيلة فترة الحكومات المتعاقبة بعد الإستقلال.
جبريل ومناوي وتمبور وعقار ،سقطوا في الإمتحان الأخلاقي أمام الشعب السوداني وشعوب الهامش التي تعيش المعاناة وتشاهد تلاعبهم بمصيرها،ويبقى السؤال الذي يحتاج لإجابة فردية في نفس وعقل كل جندي الآن ضحية قدمه تُجار وسماسرة الحربليكون قربانا من أجل أن ينعم أسيادهم في بورتسودان بالسلطة والمال:إلى متى يظل هؤلاء يقاتلوا ويموتوا من أجل أصحاب الإمتيازات في المُدن الأمنة؟،وأطرح سؤال لكافة قادة التحرر في كردفان ودارفور والنيل الأزرق وشرق السودان ،هل أنتم مستعدين لتكامل الرؤى بينكم وبين مقاتلي الدعم السريع الذين كسروا طوق الدولة المركزية العميقة وهدوا معبدها؟وهل تحرير الفاشر سيكون نقطة إنطلاقة للتعاون من أجل تأسيس دولة سودانية تسع الجميع؟!.
ولنا عودة بإذن الله.
الخميس،١٥نوفمبر/٢٠٢٤م
فاطمة لقاوة