منعم سليمان
في البداية، أود أن أنوّه أنني أكره “مني أركو مناوي”. أكرهه في الله وفي الوطن، في أزمنة الحرب والسلم، وأجد كراهيتي له ملزمة، تأباه نفسي وتعافه قبل عقلي. ولا أكرهه فقط لأنه همجي ومتخلف بلا تعليم أو ثقافة أو أدب، ومأزوم نفسياً يحتقر ذاته ويكرهها، يعبر عن هشاشته الداخلية بطريقة عنيفة تفتقد الذوق ولا تراعي المكانة. أكرهه أيضاً لأنه ضحل فكرياً، ومُجدب إنسانياً، ومقفر حضارياً.
ولأنه – وهذا مهم جداً – أصبح مصدر حرجي، وسبب طأطأة رأسي أمام ملل الله ونحله الأخرى، كلما ظهر متحدثاً عبر شاشة التلفزيون، وهو في هذا الخصوص يتمتع بجرأة الجهلاء ومغامرات السفهاء، يهرف بهراءه وعينه على الكاميرا دون أن يرمش له جفن، مع ابتسامةٍ وظرفٍ ثقيلٍ متكلف، لا يضحك له سواه. وقد قال المتنبي قديماً: (أخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ).
كان السوداني عامةً، والسياسي خاصةً، قبل انقلاب “الكيزان” وسنين حكمهم المشؤومة التي فاقت الـ30 عاماً، عاثوا فيها خراباً وفساداً، كان مضرب المثل في الثقافة والكياسة والنزاهة والاستقامة الأخلاقية والفكرية والمنطق الهذب السديد. لكن، لأن مشروعهم الشرير كان مشروعاً تدميرياً من أساسه، فقد بدأ بتدمير إنسان السودان وتحويله إلى مجاميع من اللصوص والمعاتيه والأغبياء وأصحاب الحد المتدني في كل شيء، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه في عهد البرهان، الذي هو امتداد لنهجهم وصراطهم غير المستقيم، على النحو الذي نراه أمامنا الآن؛ بأن يصبح نشّال ولصّ أميّ صاحب سوابق إجرامية من أصحاب السلطة والقوة، ويصبح جاهل وفاسد ومأزوم ومعقّد نفسياً مكانه المشافي والمصحات، من قادة (الدولة) ورجالاتها وحاكم لأحد أقاليمها – أو هكذا أصبح؛ عمدة بلا أرض!
كان يمكن للبرهان، عملاً بمبدأ الجود بالموجود، أن يقدم عرضاً أفضل حبكةً ونماذج أفضل جودة وأقل عهراً من هؤلاء، وأن يختار معاتيه يعلمون أنهم معاتيه، ويتصرفون على هذا الأساس؛ إذ لم يسبق للكوميديا أن أقامت حكماً، خصوصاً الكوميديا السوداء. ولكن من يدري؟ لعل الله يريد أن يذله ويحقر سلطته، ويجعله أضحوكة بين أمم الله وخلقه في كل قرار وحوار، عقاباً على عمالته وخيانته لبلاده وشعبه ودماء شهداء ثورتهم المجيدة!
وحريٌّ بالقول هنا أن هذا المقال كان مخصصاً للكتابة عما حدث نهار أمس من سجالات سخيفة وبذيئة وسط مكونات تحالف الانقلاب، بين مجموعة مناوي وترك من جهة (البرهان/كرتي)، ومجموعة شيبة ضرار ومن معه من الجهة الأخرى (كباشي/إبراهيم محمود)، وما تخللها من همز وغمز وحفلات ردح بذيئة بينهما في الهواء الطلق، مما يعكس قيم التحالف الذي يجمعهم، والذي يقوم على التربص والغدر والفساد لا المبادئ. وقد قررت ألا أكتب عنه، ليس لأنه لا يستحق تناوله بالكتابة، فهو يستحق أكثر من ذلك لأنه يحتوي على البدايات التي تنبئ بالنهايات، ولكنه حدث مقرف ومقزز يجلب القهر والسأم. ويكفي أن أحد أبطاله المهرّج “سليمان مني”، الشهير بـ”مني أركو مناوي”.
إن حادثة الأمس، بكل ما تحمله من تفاهة وبذاءة وقلة أدب، جعلتني على يقين بأن كل ما يجري الآن داخل مجموعات الانقلاب؛ (حركة إسلامية، جيش، حركات مسلحة، فلول، مرتزقة، لصوص) ما هي إلا مؤشرات لما سيجري في النهايات من بأس بينهم، في يوم نراه قريباً ويرونه بعيداً، يُشنق فيه آخر فرد من الحركات المسلحة بأمعاء آخر مرتزق، حينها سيتذكر مناوي وشيبة ضرار وبقية الهوام واللصوص والسابلة والقتلة كيف كانت ثورة ديسمبر جميلة ورقيقة ونظيفة حتى تجاه من كانوا يحفرون لوأدها مبكراً.
المجد والخلود لشهداء ثورة ديسمبر المجيدة، والعار والفناء للكيزان القتلة، ونقول لهم هنا قولاً واحداً: هذا البلد لن تحكموه مرة أخرى، لا بطريقة مباشرة ولا بوكالة هذا الجيش، وتوابعكم من اللصوص والمهرّجين وأراجوزات مسرح الهزل السياسي، ومن يقول غير ذلك فليحفظ هذا المقال. والأيام بيننا.